الدرع الحصينة في تخريج أحاديث السفينة،

الإمام أحمد بن هاشم (المتوفى: 1269 هـ)

قوله: فصل في الدعاء المقيد بشخص

صفحة 471 - الجزء 1

  قال بعض المحققين: هذا من شؤم الظلم؛ فإنه منع المظلوم إذا كان ظالمًا أن يُستَجَابَ له، ولم يمنعه كونه فاجرًا أو كافرًا، ما ذاك إلا لعظم موقعه عنده - سبحانه وتعالى، نسأل الله تعالى أن يعفو عنا بفضله وكرمه، ويوفقنا للخلاص⁣(⁣١). زاد بعضهم: «دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، يَرْفَعُهَا (اللَّهُ)⁣(⁣٢) دُونَ الْغَمَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ لها الرَّبُّ: بِعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ»⁣(⁣٣).

  قلت: هذه كما ترى مطلقة عن التقييد إلا أن يكون ظالمًا كما سبق، فهو في نفسه مُطَالبٌ بالإقلاع عن ذلك الجنس حتى يستجاب له، بخلاف باقي الأجناس فهي مباينة له، وهذا الفرق، والله أعلم.

  فإذا كان القصد الانتصار لها فالظاهر قبولها ولو من فاسقٍ أو فاجرٍ؛ لأن التقوى في الآية {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}⁣(⁣٤) هو تقييد في العمل المفعول للعبد، وأما هنا فليس القصد إلا الانتصار.

  وإذا كان كذلك فَنَعلم أن الله ø حاكمٌ عدلٌ، ومِن عَدلِهِ أن الظالم والمظلوم محتكمان إليه تعالى، فإذا كان فسق المظلوم يمنع من انتصاره في ردِّ ظلم مَن ظَلَمَهُ فليس من العدل، وظاهر الأحاديث تنصر هذا، بل قد روى الإمام المرشد بالله # في أماليه من حديث أبي ذر (|) الطويل مرفوعًا: «[بعثتك] لترُدَّ عَنِّي دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنِّي لَا أَرُدُّهَا وَلَوْ كَانَتْ مِنْ كَافِرٍ» هذا في صحف إبراهيم # على لسان نبينا ÷.


(١) فالظلم معنى مبغوض من الخالق ومن الخلق؛ لذلك أخبر الله - تعالى - تنزهه عن الظلم من كل وجه من الوجوه؛ فهو - سبحانه -: {لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}⁣[آل عمران: ١٨٢] و {لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}⁣[النساء: ٤٠]، {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}⁣[الكهف: ٤٩]. وقد تمت كلمته - سبحانه وتعالى -: {صِدْقًا وَعَدْلًا}⁣[الأنعام: ١١٥] وحرَّم الظلم على نفسه، وجعله محرَّمًا بين عباده، بل أخبر - سبحانه - {لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}⁣[الشورى: ٤٠]، وأن عذابه يلحق بالظالمين، ومن ركن إليهم أو سكت عن ظلمهم.

(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).

(٣) أخرجه أحمد في مسنده: (١٥/ ٤٦٣ رقم ٩٧٤٣) "، وابن ماجة في سننه: (١/ ٥٥٧ رقم ١٧٥٢) والترمذي في سننه: (٥/ ٥٧٨ رقم ٣٥٩٥) والطبراني في الدعاء: (١/ ٣٩٢ رقم ١٣١٥)، والبيهقي في الأسماء والصفات: (١/ ٣٣٤).

(٤) سورة المائدة: ٢٧.