قوله: الباب السابع والثلاثون: في الدعاء في صلاة الجنازة
  بقراءةٍ، ولا ذكرٍ، ولا غير ذلك، والحكمة فيه ظاهرةٌ، وهي أنه أسكنُ للخاطر، وأجمعُ للفكر فيما يتعلَّق بالجنازة، وهو المطلوبُ في هذا الحال، فهذا هو الحقُّ، ولا تغترْ بكثرة من يُخالفه، وقد قال أبو عليّ الفُضيل بن عِياض(١) ما معناه: الزمْ طريقَ الهدَى، ولا يضرُّكَ قلّةُ السالكين، وإياك وطرقَ الضلالة، ولا تغترَّ بكثرة الهالكين. وقد روينا في سنن البيهقي ما يقتضي ما قلته(٢)، وأما ما يفعله الجهلةُ من القراء على الجنائز بدمشق وغيرها من القراءة بالتمطيط، وإخراج الكلام عن موضعه، فحرامٌ بإجماع العلماء، وقد أوضحت قبحه، وغلظ تحريمه، وفسق من تمكّن من إنكاره ولم ينكره(٣).
  قلت: ولله درُّ النووي ما أصدق كلامه على ما يفعل الآن في الديار اليمنية، وكأنه عين الواقع في زمنه من التمطيط والإخراج للأشياء عن مواضعها إلى حيِّز التحريف، وإبطال المعنى، والاستكراه الظاهر المفضي إلى التحريم.
  ومنه ما يقع في بيوت الدرس والموالد من التمطيطات المفضية إلى ما ذكرنا من اللحن والتحريف وفحش القول(٤).
  وأما ما لم يتغير عن أصله كما يقع في الاجتماعات على الدرس والذكر ونحو ذلك ولم يخرج إلى الحدِّ المشار إليه فلا شك في حسنه وندبه(٥)، وتختلف الحالات، والله أعلم.
  نعم: ثم روى في حلية الأبرار ما لفظه: اعلم أن المختار في الصوت ما كان عليه السلف ¤ من السكوت حال السير مع الجنازة، ولا يُرفع الصوت بقراءةٍ ولا ذكرٍ ولا غير ذلك. تم ذلك.
  ثم قال: فأمَّا ما يُستحبُّ أن يقول مَنْ مرَّتْ به جنازة فيستحب أن يقول: سُبْحانَ الحَيِّ الَّذي لاَ يَمُوتُ.
(١) الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي اليربوعي الزاهد شيخ الحرم وأحد أئمة الهدى والسنة، قال الذهبي والعجلي والنسائي والدارقطني: ثقة. ينظر: الذهبي، أعلام النبلاء: (٧/ ٣٩٣ رقم ١٢٨٥)
(٢) ذكره ابن المبارك، الزهد والرقائق: (١/ ٨٣ رقم ٢٤٧).
(٣) ذكره النووي في الأذكار: (١/ ٢٨٦ رقم ٨٣٥ - ٨٣٦)، والتبيان في آداب حملة القرآن: (١/ ١١٠).
(٤) في هامش (أ): وللمؤيد بالله كلام مفيد ينقل إن شاء الله تعالى. تمت منه.
(٥) في هامش (أ): ويندب ما تقدم من خفض الصوت للدليل. تمت منه، ويظهر من المؤلف التوسط بين القولين.