الآفة الثانية: [سوء الظن]:
  وبين المشركين، وكان منهم التعنت والشرط ما كان منهم، قال أبو سفيان وقد قال النبي ÷ لعلي - إذ هو كاتب العهد -: «اكْتُبْ: ﷽» لا نعرفه، اكتب باسمك اللهم، فكتب ذلك علي، فلما كتب علي بأمر رسول الله [ﷺ](١) «هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ»، قالوا: لو كنا نعرف أنك رسول الله ما قاتلناك، اكتب محمد بن عبد الله، فقال: «اكْتُبْ يَا عَلِيُّ»(٢).
  ومن ذلك: أن من أسلم منهم ووصل إلى النبي ÷ كان عليه ردّه إليهم، ومن ارتد ووصل إليهم لم يكن عليهم ردّه، واتفق الصلح على ذلك حتى وصل في ذلك الحال بعض المسلمين وكان عندهم مقيدين له يرفل في الحديد وهو يهتف بالإسلام فردّه ÷؛ وفاء بما عهد لهم، وكان منهم أيضاً ردُّه ÷ ذلك العام [من الحج](٣)، فدخل في نفس بعض أصحابه من ذلك شيء كثير؛ لأن هذا عكس ما بُشروا به، وكون هذا الصلح للمشركين فإنهم المغلوبون المقهورون، وشوكة الإسلام مصونة عن أن تضام، فكان منهم سؤال رسول الله ÷ حتى قال عمر: «يَا رَسُولَ اللهِ فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟»(٤)، وكذلك كان أصحاب علي # يسألونه عمّا بدا لهم وأشكل عليهم ولم يعرفوا وجهه.
  إذا عرفت ذلك: فليتجنب السائل في سؤاله من التكلف والتعمق، والتعسف وإيراد الملغزات، وعدم الإصغاء إلى قبول الحق الواضح والنور اللائح؛ فيكون ذلك كسؤال بني إسرائيل عن البقرة وتعسرهم ما هي وما لونها، حتى عسر
(١) من نسخة (أ).
(٢) مسند أبي داود الطيالسي ج ١ ص ١٥٤.
(٣) من نسخة (ب).
(٤) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٦٠٦.