الآفة الثالثة: [الإغفال والإهمال]:
  أما الأول: فلأنه إذا قد سلّم السيرة وبايع إمامه لم يكن ذلك عذراً له عن الانقياد لما أوجبه عليه رب العباد، وما هكذا يفعل إلا المنافقون الذين علق الله رضاهم وسخطهم على العطاء والمنع، لا المؤمنون القاصدون لوجه الله تعالى، الراجون ثوابه والخائفون عقابه، وقد ورد في ذلك من الوعيد والترهيب الشديد، ما روي عنه ÷ أنه قال: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ بَايَعَ إِمَاماً فَإِنْ أَعْطَاهُ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا وَفَى لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ(١)، وَرَجُلٌ لَهُ مَاءٌ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ يَمْنَعُهُ سَابِلَةَ الطَّرِيقِ، وَرَجُلٌ حَلَفَ بَعْدَ الْعَصرِ لَقَدْ أُعْطِيَ فِي سِلْعَتِهِ كَذَا وَكَذَا فَأَخَذَهَا الآخَرُ بِقَوْلِهِ مُصَدِّقاً لَهُ وَهُوَ كَاذِبٌ»(٢).
  وأما الثاني: وهو المعتقد لحطّه عن منزلة أجناسه، فكذلك أيضاً إذا قد سَلّم الإمامة لم يكن له القدح بالقسمة، والأرزاق قضايا قدرية وأمور سماوية، يختص الله بها من يشاء من عباده، ويكرم بها من اختصه من أهل بلاده، ولعل نظر الإمام خلاف نظر هذا الناظر، بأن يكون هذا الملحوظ إليه بالحسد أو الغيرة أكثر حاجة وأقل كفاية، أو عليه مدار كثير من مصالح المسلمين، أو هو من أهل التأليف أو نحو ذلك، واجتهاد الإمام أقدم من اجتهاد غيره من الأنام، وهو أعرف بالمصالح، ومثله لا يتهم فيما قضى به وحكم.
  قلت: ولا بأس بإعلان ذلك المعنى إلى الإمام ومناقدته، والإظهار له ما دخل في النفس من ذلك ومعاتبته، وينبغي من الإمام التعتيب واستطابة النفس إما بالفعل وإلا فأقل الأحوال بأحسن القول؛ فقد اتفق مثل ذلك بين الأنصار والنبي المختار، وذلك أن النبي ÷ في غزوة حنين بعد الفتح، أعطى رؤساء المشركين أموالاً جليلة ولم يصر إلى الأنصار شيء من ذلك، فوجد الحي من الأنصار من ذلك ما وجدوا وعظم في نفوسهم هذا، حتى قام
(١) سنن الترمذي ج ٤ ص ١٥٠.
(٢) مسند الإمام زيد بن علي ص ١٩٢.