الآفة الرابعة: [العصبية والحمية]:
  عدنا إلى ما كنا بصدده: وكانت الصحابة ¤ في عهده ÷ لا يتأنفون عمّا يجريه من الأحكام فيمن يختص بهم من العشيرة والأرحام، بل يأتمرون ويبادرون ويفعلون ذلك بانطلاق، وذلك معلوم من السيرة، إلا أنهم كانوا يحبون أن يكون بأيديهم ما يأمر به رسول الله لا بيد أحدٍ، يشهد بذلك أن عبد الله بن عبد الله بن أبي قال لرسول الله ÷: «يا رسول الله إنه قد بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي؛ فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلاً فمرني به فأنا أحمل رأسه، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها من رجلٍ أبرَّ بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله، فأقتل مؤمناً بكافرٍ فأدخل النار»(١). وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه.
  فاعمل بهذه النبذة الشافية والفائدة الكافية، ويكون منك - وفقك الله - مدافعة نفسك ومجاهدتها وتطهيرها عن هذه الآفات التي ذكرناها؛ فعند الاعتماد لما ذكرناه، والسلوك من الطرق [المنيرة](٢) لما أوضحناه، يسهل القيام بحقوق قائم العترة الواجبة، وتذلل صعاب فروضه اللازبة، التي سنذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى.
(١) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٦٠٨.
(٢) في نسخة (ب): المنيرات.