مشاهد الفوائد وشواهد الفرائد،

أحمد بن عزالدين بن الحسن (المتوفى: 941 هـ)

الأدب الثالث: [في الصدق]:

صفحة 68 - الجزء 1

  ذلك في حالٍ من الأحوال، ولأنه ليس من دأب الفهماء الكُملاء الحكماء؛ لأنه يسقط الإنسان، وقد قال عمر ¥ - مشكوك في رفعه - «من كثر ضحكه قلّت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عُرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه»⁣(⁣١).

  ولأن قلّة الكلام زين للفتى، ولذلك يوصف به الرؤساء فيقال: «فلان قليل الكلام، أو كثير الصمت»، ولأنه عِز للصامت ومهابة، ولأنه سلامة من عثرات اللسان حتى لا يندم إذا وقع شيء من كثرة الكلام، ولله در القائل:

  الْعِلْمُ زَيْنٌ وَالسُّكُوت سلامةٌ ... فَإِذا نطقتَ فَلَا تكن مكثاراً

  فلئن ندمتُ على سكوتي مرَّة ... فلَقَد ندمتُ على الْكَلَام مرَاراً

  وعن ابن عباس أنه قال: «تكلم أربعة من الملوك كل واحدٍ بكلمة كأنها رميت من قوسٍ واحدة، فقال كسرى: لا أندم على ما لم أقل وقد أندم على ما قلت، وقال ملك الهند: العجب ممن يتكلم بالكلمة إن هي رفعت ضرته وإن لم ترفع لم تنفع، وقال ملك الصين: ما لم أتكلم بالكلمة فأنا أملكها، فإذا تكلمت بها ملكتني، وقال قيصر: أنا على ردّ ما لم أقل أقدر مني على ردّ ما قلت»⁣(⁣٢).

الأدب الثالث: [في الصدق]:

  أن يكون صدوقاً في كلامه ومحاورته، وأن لا يزيغ فيما شاهد بصره وسمعه، قال الحريري⁣(⁣٣):

  عليْكَ بالصّدْقِ ولوْ أنّهُ ... أحرَقَكَ الصّدقُ بنارِ الوَعيدْ


(١) البيان والتبيين ج ٢ ص ١٣١.

(٢) تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي ص ٢١٤.

(٣) أبو محمد القاسم بن علي الحريري، المتوفى سنة ٥١٦ هـ.