مشاهد الفوائد وشواهد الفرائد،

أحمد بن عزالدين بن الحسن (المتوفى: 941 هـ)

الآفة الثانية: [سوء الظن]:

صفحة 37 - الجزء 1

[إذا كان لفعله وجه في الشرع]:

  إن كان الثاني حسن الحمل على السلامة، وتوجه التأويل؛ عملاً بمقتضى ذلك الحديث الذي مضى رسمه وتقدم رقمه، وذلك في إمام المسلمين أولى وأبين وجهاً وأحرى كما قدمنا ذلك؛ فإنه أكثر الناس تنويراً وأعظمهم إصابة للرأي وتحريراً، وفيما حكى الله سبحانه عن موسى والخضر ª عبرة لأولي الألباب، وتبصرة للعارفين بآداب الكتاب، حيث صدر من الخضر ما ظاهره القُبح العظيم: من قتل نفسٍ محرمة بغير حق، وخرق سفينة يؤدي خرقها إلى فوات أموال وهلاك أرواحٍ، ونحو ذلك، وقد قال لموسى: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ٦٧ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ٦٨}⁣[الكهف].

  ولا بأس فيما عرض فيه الإشكال، ولم يمكن معرفة الوجه الذي اقتضاه الحال: بتوجيه السؤال، وطلب الاسترشاد، والتماس تبيين ما غمض فهمه، واحتجب عليه علمه، بتأدب وعفّة، ووقارٍ وسكينةٍ، وتلطف، وعدم عنف، وإيراد ما يحسن من النقادة، وتدحّن⁣(⁣١) لما خشن من العبارة.

[هل يجب على الإمام تعليل أفعاله؟]:

  ويحسن من الإمام حل الإشكال، وتبيين الجواب؛ معاونةً على الطاعة، ونفياً للشبهة، وإن كان ذلك غير واجب عليه؛ لأن الإمامة إذا قد قام عمودها وشهد بها شهودها، فليس عليه أن يحتج على كل ما يفعله، وقد جرت بذلك عادة الصحابة والسلف في حق نبيهم، وأئمتهم الطاهرين ¤ أجمعين.

  ومن ذلك أن النبي ÷ لما رأى تلك الرؤيا التي هي حق، من دخول المسجد الحرام، وحصول النصر والظفر لأهل الإسلام، ويعقب ذلك حجه بأصحابه الكرام وذلك في عام الحديبية، وكان من المشركين صدّهم عمّا أرادوه، ومنعهم عن الذي راموه، ثم اتفق خوض الصلح بينه ÷


(١) لفظة عامية يراد بها البُعد.