الآفة الرابعة: [العصبية والحمية]:
الآفة الرابعة: [العصبيّة والحميّة]:
  أن يعتري هذا المعتقد شيء من العصبيّة، أو تغشاه حميّة الجاهلية، فيحمله ذلك على المخالفة ويتغير قلبه وحاله إذا قضى الإمام بأمرٍ على من يختص به ويتعلق؛ وهي محرمة للآية، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}[الأحزاب: ٣٦]، فينبغي من العاقل الأريب الفطن اللبيب، أن يصرف نفسه ويدفعها عن ذلك ولو صدر عن الإمام ما صدر إليه فضلاً عن غيره، وليتوق فلتا [ت اللسان](١)، ويحترز من ذلك أكمل الاحتراز؛ فإن الإمام حكمه في الاحتراز حكم الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، وإنه لما صدر من أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة - وكان من فضلاء المهاجرين - شيء من الكلام لما قال النبي في غزوة بدرٍ: «مَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا يَقْتُلْهُ(٢)، وَمَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ بْن هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ فَلا يَقْتُلُهُ، وَمَنْ لَقِيَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ فَلَا يَقْتُلْهُ(٣)»، فقال أبو حذيفة: «أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس! والله لئن لقيته لألجمنه السيف»، وبلغ ذلك رسول الله، فعظم عنده وقال: «أَتَضْرِبُ وَجْهَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ بِالسَّيْفِ!»، وكان أبو حذيفة يقول: «ما أنا بآمنٍ من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال خائفاً منها إلا أن تكفرها عني الشهادة»(٤)، فقتل يوم اليمامة شهيداً، فانظر إلى استعظامه لكلمته، وكثرة خوفه من هفوته، حتى أنه لم يرج أن تكفرها إلا الشهادة، فصدق الله ظنه لكرامته.
(١) من نسخة (ب).
(٢) عن عكرمة، أن النبي ÷ قال يوم بدر: «مَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا يَقْتُلْهُ؛ فَإِنَّهُمْ أُخْرِجُوا كُرْهًا» مصنف ابن أبي شيبة ج ٧ ص ٣٦٣.
(٣) العلة في ذلك أنهم كانوا مكرهين على الخروج.
(٤) سيرة ابن هشام ج ٢ ص ١٩٧.