مشاهد الفوائد وشواهد الفرائد،

أحمد بن عزالدين بن الحسن (المتوفى: 941 هـ)

الأدب الخامس: [في القناعة]:

صفحة 72 - الجزء 1

الأدب الخامس: [في القناعة]:

  القناعة ولزوم العفاف، والرضى بالكفاف، وترك الطمع، والتكالب عليه والهلع، والإلحاف في السؤال، وهذه هي الدرجة العليا التي ينال بها خير الآخرة والأولى، أما خير الآخرة فلا يكون متعدياً؛ لما قال ÷: «إنَّ الله نَهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَعَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ»⁣(⁣١)، فمن نظر بعين التحقيق والبصيرة والمعرفة والدرية، عرف أن الرزق مقسوم، وأنه مقدر من الله محتوم، لا يحصله ولا يزيد فيه الطلب، ولا ينقصه ترك ذلك، قال عُروة⁣(⁣٢) الشاعر:

  لَقَدْ عَلِمْتُ وَمَا الإِسْرَافُ مِنْ خُلُقِي ... أَنَّ الَّذِي هُوَ رِزْقِي سَوْفَ يَأْتِينِي

  أَسْعَى إِلَيْهِ فَيُعْنِينِي تَطَلُّبُهُ ... وَلَوْ قَعَدْتُ أَتَانِي لا يُعنِّينَي

  ذُكر أنه بعد إنشائه هذين البيتين، وفد على هشام بن عبدالملك في جماعة من الشعراء، فقال له هشام: ألست القائل وأنشده البيتين؟ فسكت عروة، فلما خرجوا من عند هشامٍ جلس على راحلته حتى أتى المدينة، فسأل عنه هشام عند أن أمر بجوائزهم فأخبر بانصرافه، فأضعف له الجائزة على أصحابه، وجعل له سهمين ولهم سهماً.

  وأما الدنيا فلأن في كثرة الطمع إتعاب للقلب وأي إتعاب، وفي القناعة راحةٌ للقلب، وفي المثل السائر «الْقَنَاعَةُ مَالٌ [لاَ يَنْفَدُ]»⁣(⁣٣) وقد ذكر معنى هذا المثل القاضي [الأجل]⁣(⁣٤) جعفر بن أحمد⁣(⁣٥) [بن يحيى]⁣(⁣٦) صاحب (النكت


(١) صحيح مسلم ج ٣ ص ١٣٤٠.

(٢) بن أذينة بن الحارث الليثي، المتوفى سنة ١٣٠ هـ.

(٣) العقد الفريد ج ٣ ص ١٤.

(٤) من نسخة (ب).

(٥) البهلولي، المتوفى سنة ٥٧٦ هـ.

(٦) من نسخة (ب).