[ديباجة الكتاب]
  وَمِثْلُ ذَلِكَ أَمْرٌ كَبِير، وَخَطْبٌ خَطِير، {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ ٨}[الحج]، زَاعِمًا أَنَّهُ نَاهٍ عَنِ البِدَعِ وَفِيهَا وَقَع، وَارْتَبَكَ فِي ضَلَالِهَا وَرَتَع، وَمِنْ آجِنِ كَدَرِهَا وَآسِنِ مُتَغَيِّرِهَا كَرَع(١)، فَتَحَتَّمَ عَلَيْنَا الْجَوَاب، وَوَجَبَ إِزَاحَةُ مَا بِهَا مِنَ الشُّبَهِ الضَّئِيلَةِ الَّتِي هِيَ أَشْبَهُ بِلَمْعِ السَّرَاب، لِمَا لا يُؤْمَنُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهَا مَنْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْخَطَإِ وَالصَّوَاب، فَتُوقِعُهُ - لِضَعْفِ البَصِيرَةِ - في الْحَيْرَةِ(٢) وَالشَّكِّ وَالارْتِيَاب، لِمَا أَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ البَيَانِ فِي مُحْكَمِ القُرآنِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أَمْثَالِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ ...} الآيَةَ [البقرة ١٥٩].
  وَلِقَوْلِهِ ÷: «إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ وَلَمْ يُظْهِرِ العَالِمُ عِلْمَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»، وَلِقَوْلِهِ ÷: «مَنِ انْتَهَرَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ أَمْنًا وَإِيمَانًا»(٣)، وَقَدْ قَالَ ÷: «إِنَّ عِنْدَ كُلِّ بِدْعَةٍ يُكَادُ بِهَا الإِسْلَامُ مِنْ بَعْدِي وَلِيًّا مِنْ أَهْلِ بَيْتي، يُعْلِنُ الْحَقَّ وَيُنَوِّرُهُ، وَيَرُدُّ كَيْدَ الكَائِدِينَ، فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ»(٤).
(١) «(الْآجِنُ): الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ، وَقَدْ (أَجَنَ) الْمَاءُ، مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَدَخَلَ، وَحَكَى الْيَزِيدِيُّ (أَجِنَ) مِنْ بَابِ طَرِبَ فَهُوَ (أَجِنٌ) عَلَى فَعِل».
- «(الْآسِنُ) مِنَ الْمَاءِ مِثْلُ الْآجِنِ، وَقَدْ (أَسَنَ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَدَخَلَ، وَ (أَسِنَ) فَهْوَ (أَسِنٌ) مِنْ بَابِ طَرِبَ لُغَةٌ فِيهِ».
- «(كَرَعَ) فِي الْمَاءِ: تَنَاوَلَهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرَبَ بِكَفَّيْهِ وَلَا بِإِنَاءٍ، وَبَابُهُ خَضَعَ، وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى مِنْ بَابِ فَهِمَ». تمت من (مختار الصحاح).
(٢) «(حَارَ) يَحَارُ (حَيْرَةً) وَ (حَيْرًا) - بِسُكُونِ الْيَاءِ فِيهِمَا -: تَحَيَّرَ فِي أَمْرِهِ فَهُوَ (حَيْرَانُ)، وَقَوْمٌ (حَيَارَى).
وَ (حَيَّرَهُ فَتَحَيَّرَ)، وَرَجُلٌ (حَائِرٌ) بَائِرٌ إِذَا لَمْ يَتَّجِهْ لِشَيْءٍ. وَ (الْحِيرَةُ) - بِالْكَسْرِ -: مَدِينَةٌ بِقُرْبِ الْكُوفَةِ». تمت من (مختار الصحاح).
(٣) (مسند الشهاب) للقضاعي (١/ ٣١٨) رقم (٥٣٧).
(٤) رواه الإمام أبو طالب # في (الأمالي) (ص/١٧٨) ط: (مؤسسة الإمام زيد بن علي (ع)). ورواه الإمام المرشد بالله # في (الأمالي) (٢/ ٣٠٧)، والديلمي في (الفردوس) (١/ ١٨٦) رقم (٦٩٧)، وأبو نُعَيْمٍ في (حلية الأولياء) (١٠/ ٤٣٤)، رقم (١٥٧٥٩) بلفظ: «إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ بِدْعَةٍ تَكِيدُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ: مَنْ يَذُبُّ عَنْهُ، وَيَتَكَلَّمُ بِعَلَامَاتِهِ، فَاغْتَنِمُوا تِلْكَ الْمَجَالِس، وَالذَّبَّ عَنِ الضُّعَفَاءِ، =