مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

فصل الخصام في مسألة الإحرام

صفحة 230 - الجزء 1

  وَوَجَبَ أَنْ أَتَكَلَّمَ لِتَحْقِيقِ الْمَسْأَلَةِ - وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ الْمُرَادُ -؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الفَائِدَةِ الْمَقْصُودَةِ، وَالثَّمَرَةِ الْمَنْشُودَةِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ سَأَلَنِي بَعْضُ العُلَمَاءِ العَامِلِينَ، فَأَقُولُ وَباللهِ التَّوْفِيقِ إِلَى أَقْوَمِ طَرِيقٍ:

  الأَصْلُ فِي هَذَا النِّزَاع: أَنَّهَا صَدَرَتْ مِنَّا الفَتْوَى عَلَى مُقْتَضَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الأَدِلَّةُ الْمَعْلُومَةُ، وَجَرَى عَلَيْهِ عَمَلُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ: أَنَّ الحَاجَّ وَالْمُعْتَمِرَ مَتَى وَصَلَ إِلَى أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي وَقَّتَهَا رَسُولُ اللَّهِ ÷ لِمَنْ حَجَّ أَو اعْتَمَرَ أَحْرَمَ مِنْهُ، وَلَا يَتَجَاوَزُهُ إِلَّا وَقَدْ أَحْرَمَ.

  وَفِي هَذِهِ الْمُدَّةِ اليَسِيرَةِ الأَخِيرَةِ لَمَّا كَانَ أَهْلُ اليَمَنِ يَتَوَجَّهُونَ لِلْحَجِّ فِي وَقْتٍ مُتَّسِعٍ؛ خَوْفًا مِنْ إِغْلَاقِ الحُدُودِ رَأَى البَعْضُ مِنْهُمْ - مَعَ تَيَسُّرِ الْمُوَاصَلَاتِ بِالسَّيَّارَاتِ - أَنْ يُقَدِّمَ الزِّيَارَةَ وَيَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ الَّذِي وَقَّتَهُ رَسُولُ اللَّهِ ÷ بِدُونِ إِحْرَامٍ؛ اعْتِمَادًا مِنَ البَعْضِ عَلَى قَوْلِهِ فِي (الأَزْهَارِ): «إِلَى الْحَرَمِ»، وَمِنَ البَعْضِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِد الحَجَّ إِلَّا بَعْدَ الزِّيَارَةِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يَقْصِد بِسَيْرِهِ هَذَا الدُّخُولَ إِلَى الحَرَمِ أَوِ الحَجِّ، وَأَنَّهُ لَا يُرِيدُ الإِحْرَامَ الآنَ.

  فَأَفْتَيْنَا مَنْ سَأَلَنَا عَنْ قَوْلِنَا فِي ذَلِكَ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي وَقَّتَهُ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ÷ وَوَصَلُوا إِلَيْهِ أَوَّلًا مَهْمَا كَانُوا حُجَّاجًا أَوْ مُعْتَمِرِينَ؛ لِأَنَّهُمْ فِي تِلْكَ الحَالِ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ، كَمَا هُوَ فِي بَعْضِ الأَلْفَاظِ النَّبَوِيَّةِ.

  وَهُمْ فِي حَالِ سَيْرِهِمْ لِلْزِّيَارَةِ قَدْ جَاوَزُوا الْمِيقَاتَ الَّذِي شُرِعُ لَهُم الإِحْرَامُ مِنْهُ مُرِيدِينَ لِلْحَجِّ مِنْهُ، فَلَمْ يَنْقَطِعْ سَيْرُهُمْ لِلْحَجِّ وَإِرَادَتُهُم لَهُ - الَّتِي هِيَ فِي الخَبَرِ مُصَرَّحًا بِهَا «مِمَّن أَرَادَ الحجَّ» إلخ - بِقَصْدِهِمْ الزِّيَارَةَ، وَمَهْمَا كَانُوا فِي ذَلِكَ السَّفَرِ الَّذِي سَافَرُوا لِلْحَجِّ فَهْوَ يُطْلَقُ عَلَيْهِمْ حُجَّاجٌ قَطْعًا، لُغَةً وَعُرْفًا وَشَرْعًا، وَلَا يُخْرِجُهُم القَصْدُ لِلْزِّيَارَةِ⁣(⁣١).


(١) أي لا يخرجهم القصد للزيارة عن كونهم حُجَّاجًا.