تعليق على الرسالة الحاكمة
  وهو عدو الوصيِّ الذي امتنع من بيعة أمير المؤمنين، وثَبَّطَ أهلَ الكوفة من بيعته، وأكرهوه(١) عليه، ثم بعد ذلك مرقت المارقة، واعترضوا عليه أَوَّلًا بأنَّه حَكَّمَ الرجالَ، ولا حُكْمَ إلَّا للَّهِ، فاحتجَّ عليهم عبدُ الله بن العباس ¥، وأميرُ المؤمنين # بنفسه، وقالوا في الحجة على الخوارج: إنَّ اللَّهَ ﷻ قد حَكَّمَ الرجال في رُبْعِ دينار، أو أربعةٍ، ونحوها من صيد البَرِّ للمُحْرِمِ، فقال: {يَحۡكُمُ بِهِۦ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ هَدۡيَۢا بَٰلِغَ ٱلۡكَعۡبَةِ}[المائدة: ٩٥]، وَحَكَّمَ الرجالَ في المرأة حيث قال: {فَٱبۡعَثُواْ حَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهَآ}[النساء: ٣٥].
  فكان عَلَى مُقتضى قول القاضي أحمدَ [العلفي] أَنْ يُقَرِّرَ أميرُ المؤمنين قَوْلَ الخوارج: إنَّه لا حُكْمَ في الإمامة للرجال، ولا يحكم ويقول الوصيُّ: صدقتم، وإنما أَكرهوني. بل رَدَّ قولَهُم واحتجَّ عليهم بأنَّ التحكيم في هذا وغيره سُنَّةُ الله، ولن تجد لسنَّةِ الله تبديلاً.
  وإِنْ كان الطالبُ لِحُكْمِ الله والرجوعِ إلى كتاب الله عند الاختلاف مُحييًا لِسُنَّة معاوية فيا سبحان الله! فالأخ الصفي قد أَحيا بإنكارِ التحاكمِ سُنَّةَ المارقين، والإمامُ المنصورُ بالله أحيا سُنَّةَ جَدِّهِ أميرِ المؤمنين وسَلَفِهِ من الأئِمَّةِ السابقين: {إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ أَن يَقُولُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ}[النور: ٥١]، {وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِيهِ مِن شَيۡءٖ فَحُكۡمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۚ}[الشورى: ١٠]، {فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ}[النساء: ٥٩].
  والرَّدُّ إلى الله هو الردُّ إلى كتاب الله، والردُّ إلى الرسول هو الردُّ إلى سُنَّتِهِ ÷.
  وعمومُ {مِن شَيۡءٖ} أَدْخَلَ القطعيَّ والظنيَّ فما المخصصُ الشرعيُّ كهذه المسألة؟، وقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا ٦٥}[النساء].
(١) أي أَكْرَهَ الخوارجُ أميرَ المؤمنين عليًّا # عَلَى أبي موسى الأشعري.