مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[الكلام على رواية البخاري عن ابن عباس في اعتراضه إحراق أمير المؤمنين # الزنادقة بالنار]

صفحة 341 - الجزء 1

  قُلْتُ: بِاللَّهِ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمُطَالِعُ الْمُنْصِفُ انْظُرْ مَا أَرَادَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِنَقْلِ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ®، وَهْوَ خَارِجٌ عَنِ البَحْثِ، بَعِيدٌ عَنِ الْمَقْصُودِ؛ إِذْ كَانَ قَدْ أَتَمَّ ذِكْرَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ، فَالأَمْرُ وَاضِحٌ، مَا أَرَادَ بِذِكْرِ هَذَا الأَثْرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا تَخْطِئَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَسَيِّدِ الوَصِيِّينَ #، الَّذِي قَالَ فِيهِ أَخُوهُ الرَّسُولُ الأَمِينُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ وَسَلَّمَ: «عَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ وَالْقُرآنِ، وَالْحَقُّ وَالْقُرآنُ مَعَهُ»، وَقَالَ فِيهِ: «اللَّهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ».

  وَقَالَ فِيهِ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ»، وَمَنْ هُوَ مِنْهُ بِمَنْزلةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَجَعَلَهُ بَابَ مَدِينةِ عِلْمِهِ، وَأَقْضَى الأُمَّةِ، وَلَا يُحِبُّهُ إلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُهُ إلَّا مُنَافِقٌ، إِلَى مَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً كِتَابًا وَسُنَّةً.

  وَحَاشَا حَبْرَ الأُمَّةِ، وَتُرْجُمَانَ القُرْآنِ ابْنَ عَبَّاسٍ ® مِنْ ذَاكَ الْمَقالِ⁣(⁣١).

  وَقَدْ كَانَ أَتْبَعَ لِابْنِ عَمِّهِ مِنْ ظِلِّهِ، مُؤْتَّمًا بِهِ، مُجَاهِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ، مُقْتَدِيًا بِأَثَرِهِ، مُتَّبِعًا لِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، وَهْوَ الْقَائِلُ: «كُنَّا إِذَا أَتَانَا الثَّبْتُ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ نَعْدِلْ بِهِ»، أَخْرَجَهُ الْمُحَدِّثُ الْكَبِيرُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ⁣(⁣٢).

  وَالقَائِلُ: «إِذَا حَدَّثَنَا ثِقَةٌ عَنْ عَلِيٍّ بِفُتْيَا لَمْ نَتَجَاوَزْهَا»، أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي (فَتْحِ البَارِي) فِي (الْجُزْءِ السَّابِعِ)⁣(⁣٣)، قَالَ فَيْهِ: «بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ».


(١) على أنَّ هذا الاعتراض المروي عن ابن عباس إنما هو من رواية عكرمة البربري الخارجي، وسنذكر شيئًا مما نقله عنه الحافظ الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (٥/ ٢٠) في ترجمته - بتصرف يسير -؛ لتقف على حقيقة الأمر في حاله. «قَالَ ابْنُ لَهِيْعَةَ: وَكَانَ يُحَدِّثُ بِرَأْيِ نَجْدَةَ الحَرُوْرِيِّ، وَأَتَاهُ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ، فَسَلَّمَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ جَاءَ الخَبِيْثُ. قَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: قَدِمَ عِكْرِمَةُ مِصْرَ، وَنَزَلَ هَذِهِ الدَّارَ، وَخَرَجَ إِلَى الْمَغْرِبِ، فَالخَوَارِجُ الَّذِيْنَ بِالْمَغْرِبِ عَنْهُ أَخَذُوا. قَالَ عَلِيُّ بنُ الْمَدِيْنِيِّ: كَانَ عِكْرِمَةُ يَرَى رَأْيَ نَجْدَةَ الحَرُوْرِيِّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ: إِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ مَالِكٌ عِكْرِمَةَ - يَعْنِي فِي (الْمُوَطَّأِ) - قَالَ: لأَنَّ عِكْرِمَةَ كَانَ يَنْتَحِلُ رَأْيَ الصُّفْرِيَّةِ ..... إلخ كلام الذهبي.

(٢) في الاستيعاب (٣/ ١١٠٤) ط: (دار الجيل).

(٣) عن طبقات ابن سعد. انظر الفتح (٧/ ٩٢) ط: (دار الريان)، وفي (٧/ ٩٢) ط: (دار الكتب العلمية).