مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

مع الإمام القاسم بن محمد [@] في رسالة التحذير

صفحة 442 - الجزء 1

  وَالسُّنَّةِ، سَوَاءٌ قُصِدَتِ الإِعَانَةُ أَمْ لَا، مَهْمَا وَقَعَ الفِعْلُ، وَعُلِمَ أَنَّ فِيهِ إِعَانَةً.

  وَلَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ إِلَّا فِي الطَّاعَاتِ، أَمَّا الْمَعَاصِي فَلَا تُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ، فَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لِيَتَقَوَّى بِهَا فَهْوَ عَاصٍ - وَإِنْ لَمْ يَقْصِدِ الْمَعْصِيَةَ -.

  وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا لِيُجَرِّبَ سِلَاحَهُ فَهْوَ قَاتِلٌ - وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ لِكَوْنِهِ مُؤْمِنًا -، وَهَلُمَّ جَرَّا فِي جَمِيعِ الْمَعاصِي.

  وَقَدْ اسْتَدَلَّ الإِمَامُ القَاسِمُ # عَلَى أَنَّ الإِعَانَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَصْدُ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة.

  هَذَا وَقَدْ عُلِمَ جَوَازُ بَعْضِ الأَفْعَالِ الَّتِي فِيهَا إِعَانَةٌ لَا تَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ؛ لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَصَالِحِ الْكَبِيرَةِ بِنَصِّ القُرْآنِ الْكَرِيمِ، نَحْو قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ}، إِلَى قَوْلِهِ: {أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ}⁣[الممتحنة: ٨]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُكُمۡ حِلّٞ لَّهُمۡۖ}⁣[المائدة: ٥].

  وَالْمَعْلُومُ أَنَّ فِي الْبِرِّ وَالإِقْسَاطِ إِلَيْهِم وَإِطْعَامِهِم الطَّعَامَ إِعَانَةً لَهُمْ وَمَنْفَعَةً.

  وَعَمِلَ الرَّسُولُ ÷ بِمُعَامَلَتِهِم بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِطْعَامِهِم وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ، وَكَإِعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُم حَتَّى ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ سَهْمًا فِي القُرْآنِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي ذَلِكَ إِعَانَةٌ لَهُم، فَهْيَ يَسِيرَةٌ مُضْمَحِلَّةٌ فِي جَنْبِ مَا بِهَا مِنَ الْمَنَافِعِ العَظِيمَة، وَالْمَصَالِحِ الْجَسِيمَة؛ بِقِتَالِهِم مَعَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ دَفْعِ ضَرَرِهِمْ.

  وَلِهَذا قَصَرَ أَئِمَّةُ أَهْلِ البَيْتِ التَّحْرِيمَ فِي البَيْعِ مِنْهُم عَلَى الكُرَاعِ⁣(⁣١) وَالسِّلَاحِ وَنَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ إِضْرَارٌ بِالْمُسْلِمِينَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا مَا وَرَدَ النَّصُّ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ كَالْجِبَايَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِا بِقَوْلِهِ ÷: «مَنْ جَبَى دِرْهَمًا لإِمَامٍ جَائِرٍ كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى مِنْخَرِهِ فِي النَّارِ»⁣(⁣٢).


(١) (الْكُرَاعُ): اسْمٌ يَجْمَعُ الْخَيْلَ. تمت من (مختار الصحاح).

(٢) رواه إمام الأئمة الإمام الأعظم الهادي إلى الحق المبين # في (كتاب الأحكام) (٢/ ٥٣٨).