مع الإمام القاسم بن محمد [@] في رسالة التحذير
  وَكَذَا تَسْلِيمُ الأَمْوَالِ الْجَسِيمَةِ الَّتِي بِهَا تَسْتَقِيمُ دَوْلَةُ الظَّلَمَةِ، وَلَا سِيَّمَا أَمْوَالَ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي جَعَلَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين، وَسَائِرِ الْمَصَارِفِ الشَّرْعِيَّةِ، وَجَعَلَ وَلَايَتَهَا إِلَى مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ.
  فَإِنَّ إِعْطَاءَهَا الظَّلَمَةَ - مَعَ العِلْمِ أَنَّهُم يَسْتَعِينُونَ بِهَا عَلَى الفَسَادِ فِي الأَرْضِ وَالطُّغْيَانِ، وَقِتَالِ أَهْلِ الْحَقِّ، وَقَتْلِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِهْلَاكِ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ، وَشُرْبِ الْخُمُورِ، وَسَائِرِ أَنْوَاعِ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى - قَبِيحٌ عَقْلًا وَشَرْعًا.
  وَفِي ذَلِكَ أَعْظَمُ إِعَانَةٍ لَهُمْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان، بَلْ مُشَارَكَةٌ لَهُم فِي الفَسَادِ وَالطُّغْيَان، وَهْوَ مِنْ أَعْظَمِ الرُّكُونِ إِلَيْهِم، الَّذِي نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ}[هود/١١٣].
  وَالرُّكُونُ: هُوَ الْمَيْلُ اليَسِيرُ.
  وَأَيُّ مَيْلٍ أَعْظَمُ مِنْ إِعْطَائِهِم الأَمْوَالَ الْجَزِيلَةَ الَّتِي بِهَا يَتِمُّ إِقَامَةُ دَوْلَتِهِم، وَبَغْيُهُم فِي الأَرْضِ؟!.
  وَفِي إِعْطَائِهِم الأَمْوَالَ بِالاخْتِيَارِ الْمُوَادَّةُ لَهُم، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ}[المجادلة: ٢٢] الآيَةَ.
  وَمَا رَوَتْهُ الْحَشَوِيَّةُ مِنَ الأَخْبَارِ مُعَارِضَةٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ أَهْلِ البَيْتِ $.
  وَإِنَّمَا أَجَازَ بَعْضُهُم الدَّفْعَ إِلَيْهِم بِالإِكْرَاهِ وَالإِجْبَارِ لَا بِالاخْتِيَارِ.
  وَأمَّا عَدَمُ أَمْرِ أَئِمَّةِ الْهُدَى بِإِعَادَةِ الزَّكَاةِ عَلَى مَنْ دَفَعَهَا إِلَى الظَّلَمَةِ فَهْوَ لِأَجْلِ الإِكْرَاه.
  وَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ بِدَفْعِ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِم، وَقَدْ أَمَرَ بِقِتَالِهِم بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ}[الحجرات: ٩]، وَقَالَ تَعَالَى: {لَا يَنَالُ عَهۡدِي ٱلظَّٰلِمِينَ ١٢٤}[البقرة].
  وَأَيُّ عَهْدٍ أَعْظَمُ مِنْ أَمْرِ العِبَادِ أَنْ يَدْفَعُوا إِلَيْهِم الأَمْوَالَ الَّتِي بِهَا يَتِمُّ سُلْطَانُهُم وَطُغْيَانُهُم.