مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

مع الجلال في فيض الشعاع

صفحة 466 - الجزء 1

  وَدَعْوَاهُ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ عَادِيٌّ كَسَمَاعِ الأَخْبَارِ فِي التَّوَاتُرِ بَاطِلَةٌ بِالضَّرُورَةِ، لِلْفَرْقِ الْمَعْلُومِ بَيْنَ الشَّرْطِ العَادِيِّ كَسَمَاعِ الأَخْبَارِ، وَتَقْلِيبِ الْحَدَقَةِ، وَبَيْنَ الاسْتِدْلَالِ بِدَلَالَةِ الأَنْفُسِ وَالآفَاقِ. وَذَلِكَ وَاضِحٌ لِمَنْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهْوَ شَهِيدٌ.

  وَيا لِلَّهِ الْعَجَبُ مِنْ تَهَافُتِ أَنْظَارِ ذَوِي الأَنْظَار، مِثْل هَذَا العَالِمِ النَّظَّار، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيل.

  وَقَوْلُهُ أَيْضًا: «فَلَا يَصِحُّ الاسْتِدْلَالُ بِحُكْمِهِ - أَيْ العَقْل - حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّ خَالِقَهُ عَدْلٌ ...» إلخ.

  قُلْتُ: وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ الْقَصْدَ بِهَذَا الْمُغَالَطَةُ، بَل السَّفْسَطَةُ وَالتَّشْكِيكُ فِي الضَّرُورِيَّاتِ، فَالْمَعْلُومُ ضَرُورَةً أَنَّ دَلَالَةَ العَقْلِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا لَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ العُقَلَاءُ عَلَى شَيءٍ أَصْلًا، ولَمَا عُرِفَ الشَّرْعُ أَصْلًا.

  وَقَدْ عُلِمَ بُطْلَانُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: «فَيَعُودُ الْجَمِيعُ بِلَا عَقْلٍ وَلَا مِيزَانٍ»، {وَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورٗا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ ٤٠}⁣[النور].

  وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْعَقْلُ حُجَّةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعُظْمَى عَلَى عِبَادِهِ لَمَا كَرَّرَ الاحْتِجَاجَ بِهِ، وَمَلأَ بِذَلِكَ القُرْآنَ، {أَفَلَا يَنظُرُونَ}⁣[الغاشية: ١٧]، {مَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ ١٥٤}⁣[الصافات]، {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ ٤}⁣[الرعد].

  وَأَمَّا الْحَلُّ الَّذِي ذَكَرَهُ⁣(⁣١)، فَبُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إِلى بُرْهَان، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ العُقَلَاءُ، وَحَكَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ أَكْثَرِهِم عَدَمَ الإِيمَانِ وَالشَّكِّ وَالارْتِيَاب، وَلَكَانَ كُلُّ كَافِرٍ بَعْدَ الْعِلْمِ مَعْذُورًا، وَلَمَا تَحَدَّاهُم بِالإِتْيِانَ بِمِثْلِهِ، وَلَمَا قَالَ: {وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ(⁣٢)}، {إِن كُنتُمۡ فِي


(١) وهو قولُه: (الحل): «أن العلم بكون المعجزة دال على الصدق يتوقف على العلم بكون فاعلها لا يخلقها إلا للصادق» إلخ.

(٢) قال تعالى: {وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٢٣}⁣[البقرة].