[القسم الخامس]
  تصويرُ الانفكاك، وإلَّا فلو كان بينهما تلازمٌ ذاتي لم يُوجِبْ أنَّ التعويلَ عَلَى الظَّنِّ(١)، بل عَلَى ذلك المظنون(٢)، وبينهما فَرْقٌ يعرفه العالمون.
  وانظرْ بثاقبِ نَظَرِكَ، وصافي فِكْرك هل سمعتَ كتابَ الله ذَكَرَ الظَّنَّ إلَّا بالنَّعي عَلَى أَهْلِهِ والذَّم، وهل طَلَبَ غيرَ اليقينِ والعِلْم، {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ٥٢}[النمل].
  فإنْ قيل: فإنَّ الظنَّ مأخوذٌ به في أَبوابٍ لَا يُسْتَنَدُ فيها إلَّا إلى أَمَارات، كمواضعَ من القياس، وتقديرِ أُروش الجنايات، وتَقويمِ الْمُتْلَفَات.
  قيل: يمكن الجوابُ أنَّ الشارعَ عَلَّق الأَحكامَ فيها عَلَى حصولِ الأَمارات، لا لأَجْلِ الظَّنِّ.
  سَلَّمْنَا، فَمَعَ قِيامِ الدليلِ القاطعِ أنَّ الأَحْكَامَ مُعَلَّقَةٌ فيها عَلَى الظَّنِّ فَتُخَصُّ هي لا غيرُهَا، ويَبْقَى ما عَدَاها عَلَى مُقْتَضَى دليلِ العموم، فتأمل.
  رجعنا إلى كلام الإمام، قال #:
  «وَهَذَا(٣): الصَّحِيحُ الأَخْذُ بِهِ عَرْضًا عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ}[النحل ٤٤]، والتعميمُ والتخصيصُ نوعٌ مِنَ البَيَانِ اللُّغَوِي».
[القسم الخامس]
  حتى قال: «والْقِسْمُ الْخَامِسُ: مَا لا يُمْكِنُ عَرْضُهُ وَلا يُوجَدُ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ ما يُبْطِلُهُ وَلا ما يُصِحُّه».
  قلتُ: أَرادَ الإمامُ # أنَّهُ لم يُوافِقْ؛ لأنَّ الْمُوَافَقَةَ: الْمُمَاثَلَةُ وَالْمُشَاكَلَةُ، ولم يُخَالِفْ؛ لأنَّ الْمُخَالَفَةَ: الْمُعَارَضَةُ والْمُنَاقَضَةُ.
(١) لأنا لو قَدَّرنا أنَّ التعويلَ عَلَى الظنِّ للزم قَبول خَبَرِ فاسقِ التصريحِ وكافرِهِ، مع أَنَّ الإجماعَ قائمٌ عَلَى عَدَمِه.
(٢) الذي هو خبر العدل.
(٣) أي القسم الرابع، وهو مَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِتَابِ بِالتَّعْمِيْمِ وَالتَّخْصِيْصِ، وَالإطْلاقِ وَالتَّقْيِيْدِ.