مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

مع القاضي العلامة الحافظ الحسين بن أحمد السياغي في كتاب الروض النضير

صفحة 519 - الجزء 1

  أَمَّا مَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِ أَنَّهَا سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ ÷ فَلَا مَانِعَ مِنْ فِعْلِهَا، وَلِهَذَا كَانَ يَفْعَلُهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَسَنِ.

  وَقَالَ حَفِيدُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى $: مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ أَهْلِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ.

  وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ @: أَنَا أَفْعَلُهُ، أَيْ يُصَلِّي بِأَهْلِهِ، مَعَ قَوْلِهِ #: لَا نَعْرِفُهَا، أَيْ لَا نَعْرِفُ أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَقَالَ: وَذُكِرَ عَنْ عَلِيٍّ # أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ - أَيْ أَنْ تُفْعَلَ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ -، وَإِلَّا تَنَاقَضَ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ.

  وَكَذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى @ إِنَّمَا حَكَى إِجْمَاعَ أَهْلِ الْبَيْتِ $ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ ÷، وَلَا مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ #، وَأَنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهَا - أَيْ فِي آخِرِ الْأَمْرِ - لَمَّا عَلِمَ أنَّهُمْ قَدْ قَالُوا: إِنَّها سُنَّةٌ.

  فَهَذَا الْجَمْعُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَهْوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ، وَهْوَ أَنَّهَا غَيْرُ سُنَّةٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ ÷، وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ فَعَلَهَا غَيْرَ مُعْتَقِدٍ وَلَا قَائِلٍ بِأَنَّها سُنَّةٌ.

  أَمَّا أنَّهَا غَيْرُ سُنَّةٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ ÷، فَلِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ بِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ أَنَّهُ تَرَكَهَا، وَمَنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ ÷ صَلَّاهَا فَقَدْ أَثْبَتَ أَنَّهُ تَرَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُمْ: «صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ، صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ أَزْكَى لَهُ»، بِهَذَا أَوْ مَعْنَاهُ بِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ⁣(⁣١) وَغَيْرِهِ.


(١) البخاري برقم (٧٣١)، ط: (العصرية) ولفظه: عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ÷ اتَّخَذَ حُجْرَةً. قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ؛ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ».

وفي رواية أخرى برقم (٦١١٣) (كتاب الأدب) (باب ما يجوز من الشدة والغضب لأمر الله) عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ÷ حُجَيْرَةً مُخَصَّفَةً أَوْ حَصِيرًا فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ÷ يُصَلِّي فِيهَا فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، ثُمَّ جَاءُوا لَيْلَةً فَحَضَرُوا، وَأَبْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ ÷ عَنْهُمْ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ، وَحَصَبُوا الْبَابَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مُغْضَبًا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ÷: «مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيْكُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ؛ فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ»، ورواه مسلمٌ برقم (١٨٢٥)، و (١٨٢٦)، ط: (المكتبة العصرية)، وزاد فيه: «وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِه».