مع القاضي العلامة الحافظ الحسين بن أحمد السياغي في كتاب الروض النضير
  وَقَوْلُهُمْ: إِنَّهُ إِنَّمَا تَرَكَهَا خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ.
  فَنَقُولُ: إِنَّمَا ذَلِكَ الْبَاعِثُ عَلَى التَّرْكِ، وَلَا يَلْزَمُ فِي الْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الْحُكْمِ أَنْ تَسْتَمِرَّ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَرْتَفِعَ الْحُكْمُ بِزَوَالِهَا.
  أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى شَرْعِيَّةِ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ قَدْ زَالَ، وَبَقِيَ الْحُكْمُ، وَكَذَا الْبَاعِثُ عَلَى شَرْعِيَّةِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَدْ زَالَ، وَبَقِيَ الْحُكْمُ.
  وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تُتْرَكُ إِلَّا فِي وَقْتِهِ ÷ لِاحْتِمَالِ أَنْ تُفْرَضَ لَقَالَ لَهُمْ: صَلُّوهَا بَعْدِي؛ لِيُبَيِّنَ بَقَاءَ سُنِّيَتِهَا، أَوْ: صَلُّوهَا وَحْدَكُمْ، أَوْ نَحْو ذَلِكَ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّٗا ٦٤}[مريم].
  وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْعِلَلِ الْبَاعِثَةِ إِنَّمَا تُطْلَبُ لِيُقَاسَ عَلَيْهَا، لَا لِيَخْتَصَّ الْحُكْمُ بِوُجُودِهَا.
  مَعَ أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِإِقَامَتِهَا جَمَاعَةً - عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - أَنَّهَا بِدْعَةٌ(١)، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَكَيْفَ يُقَالُ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّهَا سُنَّةٌ؟!.
  وَأَمَّا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِفِعْلِهَا مَعَ عَدَمِ الْقَوْلِ وَالْاعْتِقَادِ إِنَّهَا سُنَّةٌ، فَالرِّوَايَةُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ # فِي الْمَجْمُوعِ، وَعَنْ قُدَمَاءِ أَهْلِ الْبَيْتِ $ بِفِعْلِهَا؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خَيْرُ مَوْضُوعٍ.
  فَهَذَا عِنْدِي أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ، وَأَقْرَبُهَا إِلَى الْحَقِّ، وَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ. واللهُ تَعَالَى وَلِيُّ التَّوْفِيقِ.
(١) روى مالك في (الموطأ - مع تنوير الحوالك للسيوطي) (ص/١٣٧) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ. فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَانِي لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ «نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي تَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنِ الَّتِي تَقُومُونَ» يَعْنِي آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ.
ورواه البخاريُّ برقم (٢٠٠٩).