مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

فتاوى وبحوث فقهية

صفحة 661 - الجزء 1

  لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ كَوْنَهَا لِلْتِّجَارَةِ لَا شَرْعًا وَلَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا.

  وَكَثِيرٌ مِنَ الأَرَاضِي وَالدُّورِ وَالْحُبُوبِ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا صَاحِبُهَا إِلَّا إِذَا بِيعَتْ.

  عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ الانْتِفَاعُ بِهَا بِالتَّجَمُّلِ وَالاحْتِرَاسِ بِهَا لِلْحَاجَةِ، وَإِظْهَارِ الْغِنَى.

  وَعَلَى الْجُمْلَةِ لَيْسَ الْمَنَاطُ فِي إِيجَابِ الزَّكَاةِ صِحَّةَ الانْتِفَاعِ بِهَا أَوْ عَدَمَهُ.

  وَقَدْ يُتَعَامَلُ بِمَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَطْعًا، كَالْحُبُوبِ وَنَحْوِهَا، وَقَدْ كَانَ النَّاسُ لَا سِيَّمَا الزُّرَّاعُ قَبْلَ وُجُودِ الْوَرَقِ، وَمَعَ قِلَّةِ النُّقُودِ مَعَهُمْ يَأْخُذُونَ حَاجَاتِهِمْ بِالْحُبُوبِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ العُلَمَاءِ إِنَّ الْحَبَّ الَّذِي يَخْزِنُونَهُ لِشِرَاءِ حَاجَاتِهِمْ صَارَ لِلْتِّجَارَةِ أَصْلًا، فَهْوَ إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ الشَّيءُ الْمُعَدُّ لِلْحَاجَةِ مَتَى عَرَضَتْ لِلْتِّجَارَةِ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التِّجَارَةُ عِنْدَ الْمِلْكِ.

  وَإِيجَابُ مَا لَمْ يُوجِبْهُ الشَّرْعُ لَا يَجُوزُ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٞ وَهَٰذَا حَرَامٞ} الآيَةَ.

  وَلَقَدْ قُلْتُ لِبَعْضِ الْمُتَشَدِّدِينَ: أَلَسْتُم اشْتَرَيْتُمْ أَرَاضِيَ لِتَغْرِسُوهَا أَشْجَارًا؛ لِبَيْعِ ثِمَارِهَا، وَكَذَلِكَ تَشْتَرُونَ الأَشْجَارَ؛ لِغَرْسِهَا وَبَيْعِ ثِمَارِهَا، وَذَلِكَ كُلُّهُ يُوجِبُ كَوْنَ تِلْكَ الأَرَاضِي وَالأَشْجَارِ لِلْتِّجَارَةِ، فَيَجِبُ تَقْوِيمُهَا وَتَزْكِيَتُهَا فِي كُلِّ حَوْلٍ، وَأَنْتُم لَا تُزَكُّونَهَا.

  وَهَذَا أَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ مِنْ وَرَقِ العُمْلَةِ الَّتِي هِيَ لِلْقنْيَةِ، وَلَمْ يُرَدْ بِهَا تِجَارَةٌ، وَهَذَا وَاضِحٌ.

  وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى كَلَامٍ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ العُمْلَةَ الْوَرَقِيَّةَ لَا تَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِكَوْنِ لَهَا مُقَابَلٌ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إِلَّا إِذَا بِيعَتْ: