فتاوى وبحوث فقهية
  وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ # مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ(١).
  مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيءٌ مِنَ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ إِلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِقَوْلِهِ ÷: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، وَقَوْلِهِ ÷: «لَا قَوْلَ وَلَا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ، وَلَا قَوْلَ وَلَا عَمَلَ وَلَا نِيَّةَ إِلَّا بِإِصَابَةِ السُّنَّةِ».
  وَهَذَا، وَإِنْ كَانُوا قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ، فَالدَّلِيلُ أَحَقُّ بِالاتِّبَاعِ.
  وَالْقَوْلُ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ إِنْ نَوَاهُ، فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الأَدِلَّةِ؛ إِذْ يُحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنَ الأَدِلَّةِ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى أَنْ يَكُونَ نَوَاهَا، وَمَا وَرَدَ بِعَدَمِ الوُقُوعِ عَلَى عَدَمِ نِيَّتِهَا.
  وَهْوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ الْعَامِّيَّ عِنْدَهُم إِذَا أَوْقَعَ شَيْئًا مُعْتَقِدًا لِصِحَّتِهِ، وَوَافَقَ قَائِلًا مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَقَعَ.
  وَلَقَدْ أَبْطَلَ بَعْضُ العُلَمَاءِ الطَّلَاقَ البِدْعِيَّ مِنْ أَصْلِهِ، وَقَالُوا: لَا يَقَعُ بِهِ شَيءٌ؛ لِقَوْلِهِ ÷: «مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهْوَ رَدٌّ».
  وَلَكِنَّ القَوْلَ الأَعْدَلَ الوَسَطَ أَنَّهَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ؛ لِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ الصَّرِيحِ الصَّحِيحِ.
  وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّتَابُعِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَطَاوُوسٍ، وَعَطَاءٍ، وَالبَاقِرِ، وَأَحْمَدَ بْنِ عِيسَى، وَالقَاسِمِ، وَالهَادِي إِلَى الْحَقِّ، وَرِوَايَةٌ عَنِ الإِمَامِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ.
  وَهْوَ قَوْلُ الشَّيْخِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَتِلْمِيذِهِ ابْنِ القَيِّمِ، وَاسْتَوْفَى الاحْتِجَاجَ عَلَيْهِ فِي (زَادِ الْمَعَادِ)(٢).
  وَقَدْ كَثُرَتِ الرِّوَايَاتُ وَالاخْتِلَافَاتُ فِي هَذَا البَابِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْدَلَ عَنِ الدَّلِيلِ؛ لِمُجَرَّدِ الأَقَاوِيلِ.
(١) روى الإمام الأعظم زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ @ في (المجموع) (ص/٣٢٤) (باب الطلاق البائن)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ $ (فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَالبَتْلَةِ وَالْبَتَّةِ وَالْبَائِنِ وَالْحَرَامِ نُوقِفُهُ فَنَقُولُ: مَا نَوَيْتَ؟ فَإِنْ قَالَ: نَوَيْتُ وَاحِدَةً كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِناً وَهْيَ أَمْلَكُ بِنَفْسِهَا. وَإِنْ قَالَ: نَوَيْتُ ثَلاَثاً كَانَتْ حَرَاماً حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَلَا تَحِلُّ لِلأَوَّلِ حَتَّى تَدْخُلَ بِالثَّانِي، وَيَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِهَا وَتَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِهِ).
(٢) (زاد المعاد) لابن القيم (٥/ ٢٤٧). ط: (مؤسسة الرسالة - مكتبة المنار الإسلامية).