مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

فتاوى وبحوث فقهية

صفحة 668 - الجزء 1

  قَالَ السَّيِّدُ العَلَّامَةُ الأَمِيرُ الصَّنْعَانِيُّ فِي (سُبُلِ السَّلَامِ)⁣(⁣١): وَالأَقْرَبُ أَنَّ هَذَا - أَيْ القَوْلَ بِالتَّتَابُعِ - رَأْيٌ مِنْ عُمَرَ، تَرَجَّحَ لَهُ، كَمَا مَنَعَ مِنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ وَغَيْرِهَا، وَكُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتَرَكُ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ ÷.

  وَكَوْنُهُ خَالَفَ مَا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ÷ فَهْوَ نَظِيرُ مُتْعَةِ الْحَجِّ بِلَا رَيْبٍ، وَالتَّكَلُّفَاتُ فِي الأَجْوِبَةِ لِيُوَافِقَ مَا كَانَ فِي عَصْرِ النُّبُوَّةِ لَا تَلِيقُ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ اجْتِهَادَاتٌ يَعْسُرُ تَطْبِيقُهَا عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

  وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْكَانِيُّ فِي (نَيْلِ الأَوْطَارِ)⁣(⁣٢): وَالْحَاصِلُ أَنَّ القَائِلِينَ بِالتَّتَابُعِ قَد اسْتَكْثَرُوا مِنَ الأَجْوِبَةِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكُلُّهَا غَيْرُ خَارِجَةٍ عَنْ دَائِرَةِ التَّعَسُّفِ، وَالْحَقُّ أَحَقُّ بِالاتِّبَاعِ، فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمُحَامَاةُ لِأَجْلِ مَذَاهِبِ الأَسْلَافِ، فَهْيَ أَحْقَرُ وَأَقَلُّ مِنْ أَنْ تُؤْثَرَ عَلَى السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لِأَجْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَيْنَ يَقَعُ الْمِسْكِينُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ÷.

  ثُمَّ أَيُّ مُسْلِمٍ يَسْتَحْسِنُ عَقْلُهُ وَعِلْمُهُ تَرْجِيحَ قَوْلِ صَحَابِيٍّ عَلَى قَوْلِ الْمُصْطَفَى؟!. انْتَهَى كَلَامُهُ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الإِنْصَافَ.

  فَأَرَى أَنْ يَحْضُرَ هَذَا الْمُطَلِّقُ إِلَى أَحَدِ الْمَحَاكِمِ الشَّرْعِيَّةِ، وَيُسْتَفْسَرَ عَمَّا نَوَى بِهَذَا الطَّلَاقِ البِدْعِيِّ الْمُخَالِفِ لِلْسُّنَّةِ، وَيُزْجَرَ عَنْ إِيقَاعِ مِثْلِ ذَلِكَ، فَفِي الرِّوَايَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ÷ غَضِبَ مِنْ مِثْلِ هَذَا، وَقَالَ: «أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ»، وَيَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ إِلَّا وَاحِدَةً إِنِ ادَّعَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ إِرَادَةُ التَّأْكِيدِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَقَعُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ كَمَا سَبَقَ.

  فَإِنْ حَلَفَ وَلَمْ تَكُنْ قَدْ سَبَقَتْ مِنْهُ طَلْقَتَانِ وَاقِعَتَانِ فَلَهُ الْمُرَاجَعَةُ، وَإِنْ كَانَتْ قَدِ انْقَضَتِ الْعِدَّةُ فَبِعَقْدٍ جَدِيدٍ، وَإِنْ لَمْ فَبِدُونِ عَقْدٍ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلْصَّوَاب، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآب.

  انْتَهَى نَقَلاً مِنْ خَطِّهِ أَيَّدَهُ اللَّهُ تعالى وَسَمَاعًا عَلَيْهِ فِي (٢٣/ ٩/٨٩ هـ).


(١) (سبل السلام) لابن الأمير (٣/ ١٧٣)، ط: (دار الفكر).

(٢) نيل الأوطار (٦/ ٢٣٤)، ط: (دار الحديث - القاهرة).