فتاوى وبحوث فقهية
  «مَنِ اشْتَرَى بَيْعًا فَوَجَبَ لَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يُفَارِقْهُ صَاحِبُهُ، إِنْ شَاءَ أَخَذَهُ، فَإِنْ فَارَقَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ».
  فَقَوْلُهُ: فَوَجَبَ لَهُ؛ أَيْ تَمَّ الْبَيْعُ وَانْبَرَمَ.
  وَكَذَلِكَ قَضْاءُ أَبِي بَرْزَةَ، رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو الوَضِيِّ، وَاسْمُهُ عَبَّادُ بْنُ نُسَيْب(١).
  قَالَ: غَزَوْنَا غَزْوَةً لَنَا فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَبَاعَ صَاحِبٌ لَنَا فَرَسًا بِغُلَامٍ ثُمَّ أَقَامَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا، فَلَمَّا أَصْبَحَا مِنَ الْغَدِ حَضَرَ الرَّحِيلُ، فَقَامَ إِلَى فَرَسِهِ يُسْرِجُهُ، فَنَدِمَ، فَأَتَى الرَّجُلَ وَأَخَذَهُ بِالْبَيْعِ فَأَبَى الرَّجُلُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِ.
  فَقَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَبُو بَرْزَةَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ÷، فَأَتَيَا أَبَا بَرْزَةَ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ، فَقَالَا لَهُ هَذِهِ الْقِصَّةَ. فَقَالَ: أَتَرْضَيَانِ أَنْ أَقْضِيَ بَيْنَكُمَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ÷، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ÷: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا».
  وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَرَاكُمَا افْتَرَقْتُمَا ... ،. أَخْرَجَ الْحَدِيثَ أَبُو دَاودَ(٢).
  وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الاسْتِظْهَارِ، وَالْحُجَّةُ مَا تَقَدَّمَ.
  وَأَمَّا احْتِجَاجُ الإِمَامِ الهَادِي # فِي (الأَحْكَامِ)(٣) بَعْدَ تَصْحِيحِهِ لِلْخَبَرِ «البَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا»، عَلَى أَنَّ الافْتِرَاقَ بِالأَبْدَانِ يَلْزَمُ مِنْهُ فِي الْمَحْبُوسَيْنِ وَنَحْوِهِمَا أَلَّا يُقْطَعَ الْخِيَارُ بَيْنَهُمَا، إِلخ كَلاَمِهِ #، فَلَا يُعَارِضُ مَا سَبَقَ مِنَ الأَدِلَّةِ، وَهَذِهِ حَالَةٌ نَادِرَةٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُصَحِّحَا الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا بِالاخْتِيَارِ، كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الأَخْبَارِ.
  مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ فِي (شَرْحِ الأَحْكَامِ)(٤) بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ @
(١) قال الحافظ الْمِزِّيُّ في (تهذيب الكمال) (١٤/ ١٦٩)، رقم (٣١٠١)، ط: (الرسالة):
«عَبَّاد بن نُسَيْب القَيْسِي، أبو الوضيء. روى عن علي بن أبي طالب، وكان على شرطته، وعن أبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ. روى عنه: بُدَيلُ بن مَيْسَرَةَ العُقَيْلِيُّ، وجَمِيْلُ بن مُرَّةَ الشَّيْبَانِي. قال إسحاق عن يحيى بن معين: ثقة. وذكره ابن حبان في كتاب الثقات. روى له أبو داود، والنسائي في مسند علي، وابن ماجه». انتهى بتصرف يسير.
(٢) سنن أبي داود (٣/ ٢٧٣)، برقم (٣٤٥٧)، سنن البيهقي الكبرى (٥/ ٢٧٠).
(٣) الأحكام (٢/ ٤٤).
(٤) انظر: (إعلام الأعلام بأدلة الأحكام) (ص/٣٤٥)، رقم (٨٦٢).