مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

فتاوى وبحوث فقهية

صفحة 695 - الجزء 1

  أَنَّهُ ÷ أَكَلَ مَعَ الْمَجْذُومِ وَقَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ، ثِقَةً بِاللَّهِ»⁣(⁣١)، فَفِيهِ كِفَايَةٌ.

  مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْثَرِ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ مِنْ أَحَدِ عُلَمَاءِ الْعِتْرَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ، وَفُضَلَاءِ الْمِلَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، بَلْ لَمْ يُعْهَدْ عَنِ الْأَعْلَامِ مِنْ أَبْنَاءِ سَيِّدِ الْأَنَامِ وَأَشْيَاعِهِمُ الْكِرَامِ إِلَّا مُخَالَطَةُ ذَوِي الْأَسْقَامِ، وَعِيَادَةُ إِخْوَانِهِمْ الْمُبْتَلَينَ بِالْآلَامِ، وَالتَّرَدُّدُ عَلَيْهِمْ فِي الْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ، وَالْمَسَاءِ وَالصَّبَاحِ؛ وُثُوقًا باللهِ تَعَالَى، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ، وَتَسْلِيمًا لِأَمْرِهِ، وَعِلْمًا بِأَنَّهُ لَا رَادَّ لِمَا قَضَاهُ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَمْضَاهُ جَلَّ وَعَلَا، وَيَؤُولُ الْحَالُ إِلَى السَّلَامَةِ فِي الْأَغْلَبِ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى.

  وَقَوْلُهُ أَيَّدَهُ اللهُ تَعَالَى: وَمَعَ تَصْحِيحِ وَإِفَادَةِ كَوْنِهِ لِلتَّحْرِيمِ فَمَا يَكُونُ الْعُذْرُ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ ... إلخ؟

  الْجَوَابُ: أَنَّهُ كَمَا ذَكَرْنَا لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَكُونُ مُخَصِّصًا لِأَدِلَّةِ وُجُوبِ الْجِهَادِ، وَالْإِنْفَاقِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَا عُذْرَ فِي الْإِخْلَالِ بِالْقِيامِ بِمُؤْنَةِ الْمَرْضَى، وَتَجْهِيزِ الْمَوْتَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِي شَأْنِهِمْ: {إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ}⁣[الحجرات: ١٠]؛ لِأَنَّ أَدِلَّةَ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ قَاطِعَةٌ سَاطِعَةٌ مِنَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَالسُّنَّةِ الْمَعْلُومَةِ.

  أَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ الْعَامَّ الْقَطْعِيَّ السَّنَدِ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ مُطْلَقًا فِي الْعِلْمِيَّاتِ وَالْعَمَلِيَّاتِ فَظَاهِرٌ؛ لِكَوْنِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ فِي النَّهْيِ، غَايَتُهَا: إِفَادَةُ الظَّنِّ، وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا.

  وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى طَرَفٍ مِنْ هَذَا الْبَحْثِ فِي (فَصْلِ الْخِطَابِ فِي خَبَرِ الْعَرْضِ عَلى الْكِتَابِ).


(١) أخرجه عَبْدُ بْنُ حُمَيد (ص/٣٢٩) رقم (١٠٩٢)، وابنُ أَبي شيبةَ (٥/ ١٤١) رقم (٢٤٥٣٦)، وأبو داود (٤/ ٢٠) رقم (٣٩٢٥)، والترمذيُّ رقم (١٨١٧)، وابنُ ماجه رقم (٣٥٤٢)، وأبو يعلى (٣/ ٣٥٤) رقم (١٨٢٢)، وابنُ حِبَّانَ (١٣/ ٤٨٨) رقم (٦١٢٠)، والحاكمُ (٤/ ١٥٢) رقم (٧١٩٦)، وقال: «حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ»، وقال الذهبيُّ في (التلخيص): «صَحِيحٌ»، والبيهقيُّ في (السُّنَن) (٧/ ٢١٩)، وفي (شعب الإيمان) (٢/ ١٢٢) رقم (١٣٥٦)، وغيرُهم.