مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[الإشارة إلى الأصول المحكمة المرجوع إليها عند الاختلاف]

صفحة 98 - الجزء 1

[الإشارة إلى الأصول المحكمة المرجوع إليها عند الاختلاف]

  وقد سَبَقَ إلى الكلامِ عليه أَعلامُ آلِ محمد، قادةُ الدينِ الحنيف، وذَادَةُ المبطلينَ مِن الزيغِ والتحريف.

  وينبغي قبلَ الكلامِ عَلَى المقصودِ الإشارةُ بحسب ما يليقُ بالمقام إلى أُصولٍ يُبْنَى عليها، وَيُرَدُّ مَا شَذَّ إليها، قَرَّرَها الأَئِمَّةُ الهداة، سُفُنُ النجاة، أَعلامُ الأُمَم، ومصابيحُ الظُّلَم، ومفاتيحُ الْبُهَم، وأَحكموا أَسَاسَهَا، وأَبْرَمُوا أَمْرَاسَهَا⁣(⁣١)، بِحُجَجٍ بَيِّنَةٍ لِذَوي الأَبْصَار، مُتَجَلِّيَةِ المنار، مُشْرِقَةِ الشموسِ والأَقمار، كيف لا؟ وهم حُجَجُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى جميعِ الْفِرَق، وسفينتُهُ المنجيةُ عند اضطرابِ أَمْوَاجِ الْغَرَق.

[الأصل الأول: لا يعتمد في الأصول إلَّا عَلَى العِلْم]

  فمن تلك الأصول: أَنَّه لا يُعْتَمَدُ إلَّا عَلَى العِلْمِ في مَسَائِلِ أُصولِ الدين، وقواعدِ أُصولِ الفقه، وأُصولِ الشريعة، عَلَى ما هو مُفَصَّلٌ في مواضعِه.

  ومِن هنا لَم يَقبلوا أَخبارَ الآحادِ فيها إلَّا مُؤكِّدَةً لغيرها.

  وإنَّمَا قَبِلُوهَا مَع ذلك لجواز أَنَّه يَكتفي الرسولُ ÷ بالآحاد؛ لقيامِ الأَدلةِ المعلومةِ مِنْ غيرها.

  والحُجَّةُ عَلَى هذا الأَصلِ الكبير، والأَسَاسِ الخطير من المعقولِ والمنقول.

  أَمَّا المعقول: فإنَّه يَقْبُحُ الوثوقُ بالظنِّ، ولا يَحْسُنُ العملُ عليه إلَّا في جزئياتٍ يسيرةٍ ليس الاعتمادُ عليها في شيءٍ من الخطر، كَتَرْكِ الطعامِ الْمُخْبَرِ بِكَوْنِهِ مسمومًا، ونحوِ ذلك مما يُكْتَفَى فيه بأَدْنَى أَمَارة، بل لو لم يُفِدِ الْخَبَرُ⁣(⁣٢) الظنَّ لَحَسُنَ تَرْكُهُ؛ لِعِظَمِ الضَّرَرِ الْمُقَدَّر.

  وَأَمَّا المنقول: فإنَّ اللَّهَ عَزَّ سلطانُه، وَتَعَالَى عَنْ كُلِّ شَأنٍ شَأنُه يقول: {وَلَا تَقۡفُ


(١) الْمَرَسَةُ - مُحَرَّكَةً -: الحبْلُ؛ لتَمَرُّسِ قُوَاه بَعْضِها على بَعْضٍ. جمعه: مَرَسٌ بغير هاءٍ، وجَمْعُ الجَمْعِ: أَمْرَاسٌ. انتهى بتصرف من (تاج العروس).

(٢) بأنَّ في الطعامِ سُمًّا مَثَلًا.