الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الرابع عشر: في بيان مذهب أهل الحق ورجالهم

صفحة 106 - الجزء 1

  من المحسنات والمقبحات إلا أنه لا يفعل القبيح ويفعل الحسن، وجميع ما يفعل مع العباد يكون حسناً ونعمة؛ لأن النفع والضرر لا يجوز عليه، فما يفعله يكون لنفع العباد، وكما لا يخلق القبيح لا يريده ولا يرضاه ولا يأمر به، بل يكرهه ويزجر عنه كما قال الله - تعالى -: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}⁣(⁣١)، ويفعل الحسنات ويقضي بالحق والإحسان للخلق، ولا يضل أحداً عن الدين بل يهدي إلى الحق والدين، ويبين طريق الحق والدين، فمن ضل فمن جهة نفسه وسوء اختياره ضل لا من جهة ربه.

  وأنه - تعالى - صادق لا يجوز عليه الكذب والتلبيس، وأن القرآن كلامه وهو المتلو بلغة العرب مائة وأربعة عشر سورة، نزل به جبريل # على رسول الله ÷ معجزة له، وبلغه إلى الخلق، وجميع ما فيه صدق، وحجة، وليس فيه زيادة ولا نقصان، ولا يقدر أحد أن يزيد فيه وينقص منه، وجعل بعضه محكماً وبعضه متشابهاً؛ لطفاً للمكلفين لينظروا ويرجعوا إلى القرآن ويتفكروا فيه ويعرفوا الحق، وأنه خلق الخلق وكلفهم؛ تعريضاً للثواب، ليعرفوا الحق ويعملوا به؛ ليستحقوا الثواب الدائم.

  وأنه - تعالى - أنعم على خلقه بثلاثة أنعم:

  أولها: تفضل: وهو خلقه حياً لينتفع به ورزقه وأمثال ذلك والتكليف من هذا.

  والثانية: الثواب: على فعل العبد إذا أطاع واجتنب المعاصي.

  والثالثة: العوض: المستحق على الآلام، والأمراض، والغموم من جهة الله أو من جهة غيره.

  وإذا علم أن الثواب والعوض لا يصح بغير التكليف، كلّف حتى يصل المكلَّف إلى هذه النعم الثلاث، والغرض بالتكليف ليستحق المكلف الثواب العظيم الدائم.


(١) سورة الزمر: ٧.