الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الرابع عشر: في بيان مذهب أهل الحق ورجالهم

صفحة 107 - الجزء 1

  ولا يجوز أن يخلق أحداً للكفر والمعاصي والنار، بل هم يستحقون النار لسوء اختيارهم، ولما كلّف العبد أعطاه كل ما يحتاج إليه في أدائه من الآلة، والقدرة، وإزاحة العلة، - والقدرة تكون قبل الفعل -، ويلطف له حتى يقربه إلى الطاعة، وإذا آلمه أو أمرضه يعطيه من العوض أكثر منه أضعافاً مضاعفة، فمن أطاعه يستحق الثواب، ومن عصاه يستحق العقاب.

  وفي الوعد والوعيد: يقولون: أفعال العباد لا تخلو من ثلاثة أوجه:

  - إما أن تكون طاعة فيستحق بها الثواب.

  - أو معصية فيستحق بها العقاب.

  - أو مباحاً فلا يستحق لا ثواباً ولا عقاباً، وفعله وتركه سواء.

  فإذا كان ثواب الطاعة أكثر من عقاب المعصية تكون صغيرة وينقص من ثوابه بقدر عقاب المعصية، ويكون ما يبقى مطيعاً ومثاباً في الجنة، وإن كان العقاب أكثر من الثواب يكون معاقباً في النار، ولكن ينقص من العقاب بقدر الثواب، ويعاقب بزيادة العقاب دائماً، وإذا استحق العقاب وأراد ان ينجو من العقاب ويفوز بالثواب تاب إلى الله - سبحانه - وللتوبة شرائط:

  - أولها: الندم على ما مضى من القبائح والمعاصي وترك الواجبات.

  - والثاني: العزم على ألا يعود الى أمثالها أبداً؛ لأنها كانت قبيحة ومعصية يجب التوبة عنها.

  ثم إن كان عليه حق من حقوق الله كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وغيرها، يقضي ويؤدي ما يمكن، وكذلك إن كان له خصم من الآدميين من أي وجه كان يرضي خصمه كما أمر الشرع، فإذا تاب على هذه الشرائط تقبل الله