الباب الخامس عشر: في بيان ما يجب معرفته من أصول الدين
  وأما أصل جميع الأشياء فهو العقل وبه يعرف الله، ويعرف الكتاب، والرسول، والسنة، والإجماع، ولا خلاف بين العقلاء أنما عرف صحته بالعقل فهو حجة، غير أنه ظهر قوم وقالوا: لا يعرف بالعقل شيء، وقالوا: نحتاج إلى واحد يعرف بقوله الأشياء، وهذا باطل.
  قلنا: بماذا نعرف أنا لا نعرف بالعقل شيئاً؟
  فإن قال: بالعقل، بطل قوله إنا لا نعرف بالعقل شيئاً.
  وإن قال: بالسمع.
  قلنا: ليس في السمع أن ما نعرف بالعقل يكون باطلاً.
  ويقال لهم: هل يصح أن يعلم بالعقل شيء؟
  فإن قالوا: لا.
  قلنا: هذا يوجب أن لا يعرف أحد المشاهدات إلا بالسمع، ويجب أن من لا يؤمن بالسمع لا يعرف شيئاً.
  ويقال لهم أيضاً: بماذا نميز بين الحق والباطل، وبين من يقول بالحق وبين من يقول بالباطل؟
  فإن قالوا: بقول آخر.
  قلنا: هذا يؤدي إلى ما لا يتناهى، وكل ما يؤدي إلى ما لا نهاية له فهو باطل.
  وإن قالوا: بالعقل، بطل قولهم.
  فصل: فإن قال بناء هذه الجملة(١) على أن معرفة الله - تعالى - واجبة، فلِمَ قلتم إن معرفته واجبة؟
(١) أي المعرفة بالعقل.