الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الخامس عشر: في بيان ما يجب معرفته من أصول الدين

صفحة 126 - الجزء 1

  وأما أصل جميع الأشياء فهو العقل وبه يعرف الله، ويعرف الكتاب، والرسول، والسنة، والإجماع، ولا خلاف بين العقلاء أنما عرف صحته بالعقل فهو حجة، غير أنه ظهر قوم وقالوا: لا يعرف بالعقل شيء، وقالوا: نحتاج إلى واحد يعرف بقوله الأشياء، وهذا باطل.

  قلنا: بماذا نعرف أنا لا نعرف بالعقل شيئاً؟

  فإن قال: بالعقل، بطل قوله إنا لا نعرف بالعقل شيئاً.

  وإن قال: بالسمع.

  قلنا: ليس في السمع أن ما نعرف بالعقل يكون باطلاً.

  ويقال لهم: هل يصح أن يعلم بالعقل شيء؟

  فإن قالوا: لا.

  قلنا: هذا يوجب أن لا يعرف أحد المشاهدات إلا بالسمع، ويجب أن من لا يؤمن بالسمع لا يعرف شيئاً.

  ويقال لهم أيضاً: بماذا نميز بين الحق والباطل، وبين من يقول بالحق وبين من يقول بالباطل؟

  فإن قالوا: بقول آخر.

  قلنا: هذا يؤدي إلى ما لا يتناهى، وكل ما يؤدي إلى ما لا نهاية له فهو باطل.

  وإن قالوا: بالعقل، بطل قولهم.

  فصل: فإن قال بناء هذه الجملة⁣(⁣١) على أن معرفة الله - تعالى - واجبة، فلِمَ قلتم إن معرفته واجبة؟


(١) أي المعرفة بالعقل.