الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

باب في أن صانع العالم ليس بجسم ولا يشبه شيئا من الأشياء وفي أن الأجسام لا تحصل بالطبع ولا بتأثير النجوم:

صفحة 133 - الجزء 1

  محدثة تحصل بحسب قصودنا ودواعينا، وتمتنع بحسب كراهتنا وصوارفنا، فدل أنها محتاجة إلينا، والحاجة للحدوث؛ لأنها لا تحتاج إلينا في حال عدمها وبقائها ولذلك موتنا لا يؤثر فيها، فإذا شاركت الأجسام أفعالنا في الحدوث وجب أن تشاركها في الحاجة إلى المحدث، فإذا صح هذا ثبت أن للعالم صانعاً وهو الله - تعالى -.

باب في أن صانع العالم ليس بجسم ولا يشبه شيئاً من الأشياء وفي أن الأجسام لا تحصل بالطبع ولا بتأثير النجوم:

  والدليل على أن صانع العالم ليس بجسم: هو أن الجسم لا يقدر على إيجاد نفسه؛ لأن الواحد منا في حال قدرته وعلمه وحياته لا يقدر على تغيير بعض أعضائه بتسوية معوج، أو إعادة فائت نحو أن يكون أعمى يعيد بصره، أو يكون أصم فيجعله سميعاً أو غير ذلك، ففي حال عدمه أولى ألا يقدر على إيجاد نفسه، ولأن الفعل لا يحصل إلا من حي قادر، ومحال أن يكون المعدوم حياً قادراً.

  والدليل على أنه لا يجوز أن تكون الأجسام وأكثر الأعراض من فعل جسم آخر: [أن]⁣(⁣١) الواحد منا مع تمام قدرته وآلته وعلمه لو أراد لنفسه ولداً لا يقدر عليه، ولو أراد أن يوجد جسماً آخر لتعذر عليه، وأيضاً لو وضعت نطفة بين يدي واحدٍ من الأجسام لم يقدر أن يجعل منها صورة حية، فعلمنا بذلك أن الصانع الذي خلق من النطفة في الرحم، ومن بيض الطيور صوراً مختلفة حيواناً لا يشبه بعضها بعضاً - يكون مخالفاً للأجسام؛ لأنه لو كان جسماً لما قدر على خلق الأجسام كما لا يقدر سائر الأجسام.

  وأيضاً فقد تتغير أحوال العالم بخلاف مراد الأجسام، فعلمنا أن تغيرها بخلاف الأجسام، وأيضاً فإن الجسم يقدر بقدرة، والقادر بالقدرة لا يقدر على


(١) مكتوب: كان.