الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

باب في أن صانع العالم ليس بجسم ولا يشبه شيئا من الأشياء وفي أن الأجسام لا تحصل بالطبع ولا بتأثير النجوم:

صفحة 134 - الجزء 1

  فعل الجسم، فعلمنا أن فاعل الأجسام مخالفٌ لها وهو الله سبحانه، وبهذه الأدلة يبطل قول المفوضة وغيرهم.

  والدليل على أن هذه الأجسام لا يجوز أن تكون من تأثير النجوم: أن النجوم كلها أجسام وقد بيّنا أن الجسم لا يقدر على فعل الجسم.

  وأيضاً: فإن النجوم ليست بحيّة، ومالم يكن حياً لم يكن قادراً عالماً، ولا يجوز أن يحصل الفعل إلا من حي قادر، فثبت بهذه الأدلة أن العالم ليس بتأثير النجوم.

  والدليل على أن العالم لا يحصل بالطبع: أن الطبع ليس بمعقول على ما قاله، وإن كان معقولاً فلا يصح أن يكون حياً قادراً فلا يجوز أن يكون سبباً لوجود العالم، ولوكان الطبع علّة لوجود الأشياء لوجب أن تكون معلولاته [لا تحصل به]⁣(⁣١)؛ لأن العلة لا يجوز أن تتقدم المعلول، ولأن العالم أجسام وأعراض، وأجناس وجمادات، ومتضادات ومختلفـ [ـات]، والشيء الواحد لا يكون علة لوجود أشياء.

  وأيضاً فإنهم قالوا: الطبائع الأربع متضادات، ومحال أن يكون أربعة اضداد علّة في شيء واحد؛ لأن الضد لا يجوز أن يكون علّة في إيجاد ضده، مثاله أن السواد ضد البياض فلا يجوز أن يوجد البياض بل يجب عدم البياض لوجود السواد، وما كان موجباً لعدم الشيء لا يجوز أن يكون علّة في وجوده.

  ويقال لهم: الطبع قديم أم محدث؟

  فإن قالوا قديم.


(١) مكتوب: تحصل له.