الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الثالث: في سبب النيل للثواب والنجاة من العقاب

صفحة 53 - الجزء 1

  {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ١٧}⁣(⁣١) الآية، ومثل هذه الآيات كثير في القرآن حث الله بها على النظر في الدليل، فالعجب من عاقلٍ يشتغل طول عمره في تعلم الفقه، ويتكلم في الحلال والحرام، ويفتي ويناظر، ويحكي أقوال الفقهاء، ويتكلم في علل الفقه، فإذا سُئل عن التوحيد والعدل والنبوات والشرائع؟ لا يعرف!

  ولو قيل له: تصلي لمن؟ وبأمر من تصلي وتصوم؟ ولأي شيء تصلي وتصوم؟ وتفتي ممن؟

  يقول: من الله - تعالى -، ومن رسوله .

  فإن قيل: بماذا تعرف الله - تعالى -، وبما تعرف رسول الله؟ وبأي دليل؟

  لا يخبر جواباً، ولا يعرف بماذا يجيب.

  وإذا أراد أن يُعلم أحداً أو يحثّه على العلم يقول: أي شيء تفعل بعلم الكلام⁣(⁣٢)! اشتغل بعلم الفقه حتى تولى القضاء وتُعظم ويحصل لك المال وتكون مفتياً في البلد.

  ولا يقول تعلم حتى تعمل به وتتقرب به إلى الله - تعالى - وتصل إلى ثواب الجنة وتنجو من عقاب جهنم، ويضيع عمره ويطلب الدنيا بالدين فمثله كما قال الله - تعالى -: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ٨٦}⁣(⁣٣).

  فأما رواة الأخبار والمحدثون يشتغلون الليل والنهار برواية الحديث


(١) سورة الغاشية: ١٧.

(٢) هناك كتب في ذم علم الكلام الهروي له كتاب «ذم الكلام وأهله»، والمقدسي له كتاب «تحريم النظر في كتب الكلام».

(٣) سورة الزمر: ٩.