الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الثالث: في سبب النيل للثواب والنجاة من العقاب

صفحة 54 - الجزء 1

  والأخبار، ويجعلون أنفسهم [حكاة]⁣(⁣١)، ويقولون: فلان مطعون ولا يصح قوله، وفلان لا يعتمد عليه، وفلان معتمد، وهم يحتاجون إلى تزكيتهم.

  ولو سُئل واحد منهم عن علم التوحيد؟ لا يخبر عنه ولا يعرف، ويقول: الكلام في هذا بدعة!

  ولو سأله ملحد فقال: الرسول الذي تروي الأخبار عنه ما الدليل على نبوته؟ لا يعرف كيف يجيب.

  ثم العجب من جهلهم كيف يروون الخبر، ويروون ضده، ويقولون كلاهما صحيحان! ولا يؤولون، ويقولون أمروها كما جاءت، وأعجب من هذا مفسر يفسر كتاب الله - تعالى - ولا يعرف بالدليل أنه كتاب الله ومعجز الرسول، ثم يفسر على معنيين ضدين التوحيد والتشبيه، والعدل والجبر، ولا يعرف ما يقوله، ولا يميز المتناقض من الصحيح، والخطأ من الصواب، والعجب من عاقل يتكلم في الفروع ولا يعرف الأصول، فمثله كمثل من تعلق بفروع شجرة ولا خبر له عن أصلها وساقها.

  ونحن لا ننكر فضل علم الشريعة والأخبار والتفسير، ولكن نقول بناء الإسلام على هذه العلوم وهي من الفرائض، ولكن ننكر أيضاً فعل هؤلاء الذين ينكرون علم الأصول التوحيد والعدل، وأيضاً فإن جميع العلوم مبني على التوحيد والعدل، وعلم التوحيد والعدل أصل العلوم فمن قصر فيه قصر في جميع العلوم.

  وإذا ثبت أن معرفة الله - تعالى -، ومعرفة صفاته وعدله، ومعرفة الرسول والشرائع واجبة ولهذه المعرفة ترتيب فأول ما يجب منها معرفة التوحيد، ولمعرفة


(١) في نسخة (ب): حكما.