الرسالة في نصيحة العامة،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الثالث: في سبب النيل للثواب والنجاة من العقاب

صفحة 55 - الجزء 1

  التوحيد طريق وهو ثلاثة أقسام: إما أن يكون ضرورياً، أو بالتقليد، أو بالنظر والاستدلال، ولا يجوز أن يكون ضرورياً؛ لأنه لو كان ضرورياً لما اختلف فيه العقلاء كما لم يختلفوا في سائر الضروريات، ولو كان ضرورياً لما احتاج إلى النظر والاستدلال، ولا أمكن دفعه عن النفس بشكٍ وشبهة، فإذا اختلف العقلاء فيه ويحتاج في معرفته إلى النظر والاستدلال ويدخل فيه الشك والشبهة علمنا أنه لم يكن ضرورياً.

  والتقليد ليس بطريق للعلم؛ لأن تقليد أحد ليس بأولى من تقليد آخر، والثاني: أنه لا يمكن معرفة الحق بالتقليد؛ لأن المقلد لا يكون موقناً فلا يأمن أن يكون على الباطل والله - تعالى - ذم المقلدين في القرآن في آيات كثيرة.

  والعجب من قوم يقولون نحن نعرف الله بقول الإمام وخليفة الإمام.

  فنقول لهم: بأي شيء تعرفون أن الإمام وخلفاءه على الحق؟

  فإن قالوا: بقول آخر سواهم.

  قلنا: بما تعرفون أن قول الآخر حق؟

  فإن قالوا: بقول آخر.

  قلنا: هذا يؤدي إلى ما لا نهاية، وكل قول يؤدي إلى ما لا نهاية له فهو باطل.

  فإن قالوا: نعرف بالدليل أن قول الإمام وقول خلفائه حق.

  قلنا: نحن أيضاً نعرف الله بالدليل لا نحتاج إلى الإمام وخلفائه.

  ويقال لهم أيضاً: بأي شيء يميز بين الرسول والمشعبذ؟

  فإن قالوا: بالمعجز.

  قلنا: بماذا يعلم أنه معجز وليس بشعبذة؟