[شرح خطبة الأثمار]
  ما علمناه ضرورة من دعوى النبي ÷ للنبوة، وأنه جعل القرآن معجزة له، وتحدى الإنس والجن أن يأتوا بمثله، بقوله: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ}(١) الآية وتحدى العرب أن(٢) يأتوا بعشر سور أو بسورة من مثله، فلم يأتوا بشيء مما تحداهم به؛ إذ لو أتوا بشيء من ذلك - لظهر ولنقل، فعلم بذلك عجزهم؛ لعلمنا بقوة دواعيهم إلى إبطال أمره، وإلاَّ لما قاتلوا وقتلوا، ولما عدلوا عن الأمر من السهل، و هو المعارضة - لو قدروا عليها - إلى الأمر الصعب، وهو الحرب والذي فيه هلاك أرواحهم، وذهاب أولادهم وأموالهم؛ فثبت بذلك أن القرآن الكريم معجزة للنبي ÷، وقد تقرر في عدل الله وحكمته أنه لا يظهر المعجز إلاَّ على الصادق؛ لأنه بمنزلة التصديق له بالقول، وتصديق غير الصادق كذب، والكذب قبيح، وهو تبارك وتعالى لا يفعل القبيح لعلمه بقبحه وغنائه عنه، وعلمه باستغنائه عنه كما تقدم بيانه.
  وقوله: «إلى يوم المعاد والرجوع» معنى المعاد، والرجوع واحدٌ، وإنما يعطف أحد اللفظين المترادفين على الآخر؛ لقصد التقوية والتأكيد. والمراد باليوم المذكور الوقت المقدر الممتد المتعقب لآخر جزء من أيام الدنيا، وفيه يكون البعث والحساب وسائر أمور القيامة، فهو بمنزلة اليوم الواحد، فلذلك يعبر عنه باليوم. والله أعلم.
  وقد عطف الإمام - أدام الله علوه - قوله: «وأشهد»، وقوله: و «أصلي» وهما جملتان فعليتان إنشائيتان على جملة الحمد، وهي اسمية خبرية؛ لأنها في الأصل فعلية إنشائية مثلهما؛ لأن أصلها حمدت الله حمدًا، ثم قيل: حمدًا لله، ثم عدل إلى الرفع؛ لقصد الثبوت والدوام، فقيل: حمدٌ لله، ثم عَرَّفَ الحمد؛ لإفادة الاستغراق على رأي، أو تعريف الجنس كما تقدم، وجيء بالفعل مضارعًا في «أشهد»، و «أصلي»؛ لإفادة التجدد والاستمرار.
  قال أيده الله ونصره: (وأصلي وأسلم على محمد [وعلى آل محمد](٣) صلاة مباركة طيبة دائمة ما دام عن الأزهار للأثمار، ومن الشموس للأقمار لموع وينوع) قصد مولانا الإمام عز نصره الإتيان بالصلاة والتسليم على الوجه الكامل، الذي ورد به التنزيل في
(١) سورة الإسراء: ٨٨.
(٢) في (ج): وتحدى العرب على أن.
(٣) ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).