[شرح خطبة الأثمار]
  كتاب الأزهار هو أصل [هذا المختصر](١)، وإلى وجه المناسبة في تسميته الأثمار.
  وفي ذكر الشموس والأقمار أيضا إشارة إلى استمداد هذا المختصر الكريم من كتاب الأزهار كاستمداد القمر [نوره](٢) من ضوء الشمس، [فذكرهما واقع أحسن موقع، وطالع](٣) من أفق البلاغة أيمن مطلع، وإن كان في الحقيقة قد زاد هذا الفرع على أصله، وفاق وبهر نور هذا القمر ضوء تلك الشمس في السَّناء والإشراق.
  وجمع الشمس والقمر(٤) باعتبار [تكرر طلوعهما على مر الأيام والليالي](٥)، فكأن كل واحد منهما متعددٌ؛ إذ هو كل يوم جديد متجدد، وقد لحظ(٦) إلى هذا المعنى من قال:
  وما البدرُ إلاَّ واحد غير أنه ... يغيب ويأتي بالضياء المُجَدِّد
  فلا تحسب الأقمار خَلْقًا كثيرةً ... فَجُمْلَتُهَا مِنْ نَيِّرٍ مُتَرَدِّدِ(٧)
  قوله: (وبعدُ فهذا مختصر مبارك بتوفيق الله سبحانه): كلمة «بعد»: ظرف زمان، وهي مبنية على الضم؛ إذ هي من الغايات، ومحلها النصب على الظرفية، والعامل فيها فعل شرط محذوف، ولذلك جاءت بعدها فاء الجزاء في قوله: «فهذا»، والتقدير في الأصل: ومهما يكن من شيء بعد الحمد، وما اتصل به، ثم قيل: أما بعد - كما يفعله بعض الناس - بحذف [جملة](٨) الشرط وإقامة «أما» مقامهما، ثم حذفت «أما» كما يفعله بعضهم، والمعنى كما كان.
  ويقال: إن هذا من بليغ كلام العرب؛ إذ هو إضرابٌ عن متقضٍ، ودخول في مستقبل. وبعضهم يقول: هو فصل الخطاب، وهو عند أهل البلاغة من الاقتضاب القريب من
(١) في (ش): كتاب الأثمار.
(٢) في (ب، ج): ضوءه.
(٣) ما بين المعقوفتين في (ش): فكان ذكرهما هاهنا واقعا أحسن موقع وطالعًا.
(٤) في (ج): والأقمار.
(٥) في (ش): اختلاف مطالعها، وتكرر طلوعها على تعاقب الليالي والأيام.
(٦) في (ج): ولقد لحظ.
(٧) البيتان لأبي العلاء المعري، في قصيدة مطلعها:
إليكَ تَنَاهى كلُّ فَخْرٍ وسُؤدَد ... فأبْلِ اللّيالي والأنامَ وجَدِّد
ينظر: سِقْطَ الزَّنَد، لأبي العلاء المعري - دار صادر - بيروت - ط (١٣٨٣ هـ/١٩٦٣ م). ص ٨٩.
(٨) ساقطة من (ب، ج).