كتاب الصلاة
  المسافر ميل بلده(١). وعن بعض التابعين(٢)، يقصر عند نية السفر، ولو في منزله(٣).
  وعن المؤيد بالله، والشافعي: إذا جاوز عمران بلده(٤).
  وعن أبي حنيفة وأصحابه: إذا جاوز باب المصر، أو ما يجري مجراه(٥)، وعن مجاهد: إن خرج نهارًا فإذا أمسى، وإن خرج ليلا فمتى أصبح(٦).
  قلنا: القصد مفارقة البلد؛ إذ لا يسمى مسافرًا من لم يفارق بلده، ولا يسمى مفارقًا عرفًا من لم يخرج من الميل؛ إذ الميل للبلد كالساحة للدار، وما عدا ذلك تحكم.
  وقوله: "حتى يرجعه" أي لا يزال يقصر من تكاملت شروط القصر المذكورة في حقه، وهي: أن يجاوز ميل بلده، قاصدًا للسفر مسافة بريد فصاعدًا، حتى يتفق له أحد ثلاثة أمور:
  أولها: أن يرجع إلى ميل بلده ولو بغيره اختياره بأن ترده الريح، أو تجمح به الدابة أو نحو ذلك، فيجب عليه حينئذ أن يصلي تمامًا.
  الأمر الثاني: ما قصده المؤلف أيده الله بقوله: (أو تجاوز في موضع شهرًا) يعني إذا وقف في موضع في حال سفره وهو عازم على النهوض منه قبل مضي عشرة أيام، لكنه يقول: اليوم أخرج، غدًا أخرج، فيعرض ما يثبطه، فإنه عندنا لا يزال يقصر حتى يتعدى شهرًا، ومتى زاد على الشهر أتم، ولو كان عازمًا على النهوض في الحال. هذا هو المذهب(٧)؛ لما روي عن علي أنه قال: يتم الذي يقيم عشرًا والذي يقول: اليوم أخرج، غدا أخرج يقصر شهرا(٨).
(١) وهو قول الإمام الهادي. ينظر: البحر الزخار ٢/ ٤٤، والمنتخب ص ٥٢، وشفاء الأوم ١/ ٤١٩.
(٢) عطاء، والحارث. من بين السطور في (ب).
(٣) وهو قول عطاء، والأسود، والحارث بن أبي ربيعة؛ حيث قالوا: إذا نوى السفر جاز له القصر في منزله بمجرد النية. ينظر الحاوي ٢/ ٤٨٣.
(٤) ينظر: الانتصار ٤/ ٢٣٠، والبحر الزخار ٢/ ٤٤، وشفاء الأوام ١/ ٤١٩، والمهذب ١/ ٣٣٧.
(٥) ينظر: البحر الرائق ٢/ ٢٠٣.
(٦) ينظر: المغني ٢/ ٩٨، والأوسط ٤/ ٣٥٤.
(٧) وكما هو قول الإمامية. ينظر: الأحكام ١/ ١٢٥، والتحرير ١/ ١١٣، ورأب الصدع ١/ ٣٦٩، والتجريد ص ٧٢، والأوسط ٤/ ٣٥٦، واللمعة الدمشقية ١/ ٧٨٣.
(٨) مجموع الإمام زيد ص ١٤٨، وأصول الأحكام ١/ ١٦٥ رقم (٥٤٥)، ومصنف ابن أبي شيبة ٢/ ٢٠٨، وعبد الرزاق ٢/ ٥٣٢.