الباب السادس في فضل الحسن والحسين @ وما يتصل بذلك
  يُنْهَى عَنْهُ، لِيَرْغَبِ الْمَرْءُ فِي لِقَاءِ رَبِّهِ، فَإِنِّي لَا أَرَى الْمَوْتَ إِلَّا سَعَادَةً، وَلَا الْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلَّا شَقَاوَةً.
  فَقَامَ إِلَيْهِ زُهَيْرُ بْنُ الْقَيْنِ الْعِجْلِيُّ فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ مَقَالَتَكَ هُدِيتَ، وَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا بَاقِيَةً وَكُنَّا فِيهَا مُخَلَّدِينَ؛ وَكَانَ فِي الْخُرُوجِ مُوَاسَاتُكَ وَنُصْرَتُكَ لَاخْتَرْنَا الْخُرُوجَ مِنْهَا مَعَكَ عَلَى الْإِقَامَةِ فِيهَا، فَجَزَاهُ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ @ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: [الرجز]
  سَأَمْضِي وَمَا بِالْمَوْتِ عَارٌ عَلَى الْفَتَى ... إِذَا مَا نَوَى حَقًّا وَجَاهَدَ مُسْلِمَا
  وَوَاسَى الرِّجَالَ الصَّالِحِينَ بِنَفْسِهِ ... وَفَارَقَ مَثْبُورًا وَحَارَبَ مُجْرِمَا
  فَإِنْ عِشْتُ لَمْ أَنْدَمْ وَإِنْ مِتُّ لَمْ أُلَمْ ... كَفَى بِكَ دَاءً أَنْ تَعِيشَ وَتُرْغَمَا
  فَلَمَّا نَزَلَ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ كَتَبَ إِلَى مُحَمَّدٍ أَخِيهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ: مِنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ:
  أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكُمْ إِنْ لَحِقْتُمْ بِي اسْتَشْهَدْتُمْ، وَإِنْ تَخَلَّفْتُمْ عَنِّي لَمْ تَلْحَقُوا النَّصْرَ، وَالسَّلَامُ.
  فَلَمَّا وَافَى زُبَالَةَ اسْتَقْبَلَهُ الطِّرِمَّاحُ الطَّائِيُّ الشَّاعِرُ(١) فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ #: مِنْ أَيْنَ خَرَجْتَ؟ قَالَ: مِنَ الْكُوفَةِ، قَالَ: كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَ الْكُوفَةِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ؛ قُلُوبُهُمْ مَعَكَ وَسُيُوفُهُمْ عَلَيْكَ، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ #: صَدَقْتَ، النَّاسُ عَبِيدُ الدُّنْيَا، وَالدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهْمِ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ، فَإِذَا مُحِنُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ.
  فَلَمَّا وَافَى كَرْبَلَاءَ، قَالَ: فِي أَيِّ مَوْضِعٍ نَحْنُ؟ قَالُوا: بِكَرْبَلَاءَ، قَالَ: كَرْبٌ وَاللهِ وَبَلَاءٌ، هَاهُنَا مَنَاخُ رِكَابِنَا وَمُهْرَاقُ دِمَائِنَا، ثُمَّ أَقْبَلَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ يَتَمَثَّلُ وَيَقُولُ: [الرجز]
(١) ترجم له أَبُو القاسم الحسن بن بشر الآمدي في المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء ص ١٩١ - ١٩٢ وقد ذكره ابن جرير الطبري في جملة من لقيه الإمام الحسين # وهو في طريقه إلى العراق. وانظر معجم المؤلفين لعمر كحالة ٥/ ٤٠ والأعلام للزركلي ٣/ ٢٢٥.