تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

الباب الرابع عشر في الخطب والمواعظ وما يتصل بذلك

صفحة 286 - الجزء 1

  قَدْرَهُ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَنْ لَا يَعْرِفَ قَدْرَهُ.

  وَإِنَّ أَحَبَّ خَلْقِ اللهِ إِلَى اللهِ عَبْدٌ أَعَانَهُ اللهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ، وَتَجَلْبَبَ الْخَوْفَ، وَأَضْمَرَ الْيَقِينَ، وَزَهَرَتْ مَصَابِيحُ الْهُدَى فِي قَلْبِهِ، فَسَهَّلَ عَلَى نَفْسِهِ الشَّدِيدَ، وَقَرَّبَ عَلَيْهَا الْبَعِيدَ، فَلَمْ يَدَعْ مُبْهَمَةً إِلَّا كَشَفَ غِطَاءَهَا، وَلَا مَظْلِمَةً إِلَّا قَصَدَ جَلَاءَهَا، وَلَا مُعْضِلَةً إِلَّا بَلَغَ مَدَاهَا، مُعَايِنٌ طَرِيقَتَهُ، مُشَاهِدٌ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ حَقِيقَتَهُ، شَرِبَ نَهْلًا، وَسَلَكَ طَرِيقًا سَهْلًا، يَحُطُّ حَيْثُ الْقُرْآنُ حَطَّ رَحْلَهُ، وَأَيْنَ نَزَلَ كَانَ مَنْزِلَهُ، فَهُوَ مِنْ خَاصِّ أَوْلِيَاءِ اللهِ.

  وَإِنَّ أَبْغَضَ خَلْقِ اللهِ إِلَى اللهِ عَبْدٌ وَكَلَهُ اللهُ إِلَى نَفْسِهِ، جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، مَشْغُوفٌ بِكَلَامِ بِدْعَةٍ، فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِعِبَادَتِهِ، ضَالٌّ عَنْ هُدَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِ، حَمَّالُ خَطَايَا غَيْرِهِ، رَهِينٌ بِخَطِيئَتِهِ، قَمَشَ جَهْلًا مِنَ الْجُهَّالِ، فَأَوْطَأَ النَّاسَ عَشْوَةً غَارًّا بِأَوْبَاشِ الْفِتْنَةِ، قَدْ لَهِجَ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ؛ فَسَمَّاهُ أَشْبَاهُهُ مِنَ النَّاسِ عَالِمًا، وَلَمْ يَعْنَ فِي الْعِلْمِ يَوْمًا سَالِمًا، بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ، وَمَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ، حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ آجِنٍ؛ وَأَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ؛ قَعَدَ حَاكِمًا بَيْنَ النَّاسِ، ضَامِنًا لِتَخْلِيصِ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ، إِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ هَيَّأَ لَهَا حَشْوًا رَثًّا مِنْ رَأْيِهِ، فَهُوَ مِنْ قَطْعِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ⁣(⁣١) الْعَنْكَبُوتِ، إِنْ أَصَابَ وَإنْ أَخْطَأَ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ، لَا يَحْسَبُ أَنَّ الْعِلْمَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُنْكِرُ، وَلَا أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَهُ غَايَةً، إِنْ قَاسَ شَيْئًا بِشَيْءٍ لَمْ يُكَذِّبْ بَصَرَهُ، وَإِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ كَتَمَ مَا يَعْلَمُ مِنْ نفْسِهِ؛ لِكَيْلَا يُقَالَ: لَا يَعْلَمُ، رَكَّابُ عَشَوَاتٍ، وَخَايِضُ غَمَرَاتٍ، وَمِفْتَاحُ ظُلُمَاتٍ، وَمُعْتَقِدُ شُبُهَاتٍ، لَا يَعْتَذِرُ مِمَّا لَا يَعْلَمُ، وَلَا يَعَضُّ عَلَى الْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ فَيَسْلَمَ، يَذْرُو الرِّوَايَةَ ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمِ، تَصْرُخُ مِنْهُ الدِّمَاءُ، وَتَبْكِي مِنْهُ الْمَوَارِيثُ،


= التقوى سنخ أصل» السنخ والأصل واحد، فلما اختلف اللفظان أضاف أحدهما إلى الآخر، والأولى أن يُحمل على العموم والخصوص بأن يراد الأول العموم وبالآخر الخصوص أي سنخ إنسان. انتهى نهاية. انتهى من إملاء الإمام الحجة/مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي #.

(١) في وراية: غَزْلِ.