تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

الباب الرابع عشر في الخطب والمواعظ وما يتصل بذلك

صفحة 319 - الجزء 1

  فَرَضَ الْجِهَادَ وَعَظَّمَهُ فَجَعَلَهُ نُصْرَتَهُ وَنَاصِرَهُ، وَايْمُ اللهِ مَا صَلُحَتِ الدُّنْيَا وَالدِّينُ إِلَّا بِهِ، أَلَا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدِ اسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ، وَنَصَبَ خِدَعَهُ، فَمَنْ أَطَاعَ شَيْطَانَهُ لَمْ يَعْتَدِلْ لَهُ دِينُهُ، وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَقَدْ أَنْكَرُوا مُنْكَرًا اكْتَسَبُوهُ، وَطَلَبُوا بِدَمٍ سَفَكُوهُ، وَعِرْضٍ شَتَمُوهُ، وَحُرْمَةٍ انْتَهَكُوهَا، وَإِنَّ أَوَّلَ عَدْلِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، يُرِيدُونَ أَنْ يَرْضَعُوا أُمًّا فَطَمَتْ، وَأَنْ يُحْيُوا بِدْعَةً أُمِيتَتْ، فَيَا خَيْبَةً لِلدَّاعِي إِلَى مَنْ دَعَا، لَوْ قِيلَ لَهُ: إِلَى مَنْ دَعَوْتَ؟ وَمَنْ إِمَامُكَ؟ وَإِلَى مَنْ سَبَبُك؟ لَانْزَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ مَقَامِهِ، وَلَرَأَى الطَّرِيقَ وَاضِحًا حَيْثُ نَهَجَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَيَعْلَمُونَ أَنِّي مُحِقٌّ وَهُمْ مُبْطِلُونَ، وَإِنِّي مُعْذِرٌ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ قَبِلُوا فَالتَّوْبَةُ مَقْبُولَةٌ، وَالذَّنْبُ مَغْفُورٌ، وَإِنْ أَبَوْا أَعْطَيْتُهُمْ حَدَّ السَّيْفِ، وَكَفَى بِهِ نَاصِرًا لِمُؤْمِنٍ، وَمُنْتَصِرًا لِمَظْلُومٍ)⁣(⁣١).

  ٣٧٠ - وبه قال: أخبرنا أبي |، قال: أخبرنا أبو محمد عبدالله بن أحمد بن سلَّام، قال: أخبرنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن راشد، قال: حدثنا أبو مَعْمَر، قال: حدثنا سليمان بن راشد، عن حُمَيْد بن مسلم، عن أبي الهيثم بن التيهان:

  أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا # قَامَ خَطِيبًا وَذَلِكَ حِينَ وَقَعَ خِلَافُ مَنْ خَالَفَهُ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (مَا شَاءَ اللهُ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، حَيٌّ بِلَا كَيْفٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَانَ، وَلَا كَانَ لَهُ أَيْنَ، وَلَا كَانَ فِي شَيْءٍ، وَلَا كَانَ عَلَى شَيْءٍ، وَلَا قَوِيَ بَعْدَ مَا كَوَّنَ، وَلَا كَانَ ضَعِيفًا قَبْلَ أَنْ يُكَوِّنَ وَلَا كَانَ مُسْتَوْحِشًا قَبْلَ أَنْ يَبْتَدِعَ، وَلَا خِلْوًا مِنَ الْمُلْكِ قَبْلَ إِنْشَائِهِ، وَلَا يَكُونُ خِلْوًا بَعْدَ ذَهَابِهِ، كَانَ إِلَهًا حَيًّا بِلَا حَيَاةٍ، وَمَلِكًا قَبْلَ أَنْ يُنْشِئَ شَيْئًا، وَمَالِكًا بَعْدَ إِنْشَائِهِ، وَلَيْسَ يَكُونُ لَهُ كَيْفَ وَلَا أَيْنَ، وَلَا لَهُ حَدٌّ يُعْرَفُ وَلَا شَيْءٌ يُشْبِهُهُ، وَلَكِنْ سَمِيعٌ بِلَا سَمْعٍ، وَبَصِيرٌ بِغَيْرِ بَصَرٍ وَقَوِيٌّ بِغَيْرِ قُوَّةٍ مِنْ خَلْقِهِ، لَا تُدْرِكُهُ حَدَقُ النَّاظِرِينَ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ سَمْعُ السَّامِعِينَ، إِذَا أَرَادَ شَيْئًا كَانَ


(١) رواها الشريف الرضي ¥ في نهج البلاغة ص ٦٣ - ٦٤ وفي ص ١٩٤، والسيد العلامة الأوحد الحسن بن الحسين بن محمد ¦ في التعليق الوافي على كتاب الشافي ٤/ ٤١٥ وابن أبي الحديد في شرح النهج ١/ ٣٠٣ - ٣٠٨ وفي ٩/ ٣٣ والمفيد في الارشاد ١/ ٢٥١ والمحمودي في نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ١/ ٢٨٠ وبين طرقها ومن أخرجها.