الباب السابع والثلاثون في الأدب والإرشاد إلى مكارم الأخلاق وما يتصل بذلك
  أَنْشَدَ هَذَا الْبَيْتَ: فَصَاحِبُكَ هَذَا الشَّاعِرُ يَتَبَجَّحُ بِالْكَذِبِ، وَيَعْتَرِفُ بِأَنَّ خَبَرَهُ يَشْتَمِلُ عَلَى صِدْقٍ وَكَذِبٍ، أَفَتَصِفُ اللهَ بِذَلِكَ؟! وَتَقُولُ: إِنَّ فِي خَبَرِهِ صِدْقًا وَكَذِبًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ تَعْتَمِدُ قَوْلَ الشَّاعِرِ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَدْ خَالَفَ هَذَا الشَّاعِرَ شَاعِرٌ آخَرُ، فَقَالَ مُمْتَدِحًا لِمَنْ مَدَحَهُ: [المنسرح]
  لَا يُخْلِفُ الْوَعْدَ والْوَعِيدَ وَلَا ... يَبِيتُ مِنْ ثَأْرِهِ عَلَى فَوْتِ(١)
  وقد تكتب هذه الحكاية من غير طريق ابن مهدي على وجه آخر، وهو أنه أنشد: [الطويل]
  ..................................... ... لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي
  فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ: فَصَاحِبُكَ يَتَبَجَّحُ بِالْخُلْفِ، أَفَتَقُولُ: إِنَّ اللهَ مُخْلِفٌ، وَأَنْشَدَ الْبَيْتَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ(٢).
(١) رواه أبو بكر الزبيدي في طبقات النحويين واللغويين ص ٣٩، وأبو المحاسن التنوخي في تاريخ العلماء النحويين ص ١٤٤، وأبو حيّان التوحيدي في البصائر والذخائر ١/ ١٧٧، والراغب الأصفهاني في محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء ٢/ ٤٤١، رواه الإمام أحمد بن سليمان # في حقائق المعرفة ص ٢٢٥.
(٢) روى أبو منصور الثعالبي في يتيمة الدهر ٢/ ١٥٦:
إِذا وعد السَّرَّاء أنْجز وعده ... وَإِن أوعد الضراء فالعفو مانعه
وَهُوَ من بَيت تشْتَمل عَلَيْهِ قصَّة حَكَاهَا الْمبرد عَنْ أبي عُثْمَان الْمَازِني قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن مسعر قَالَ جَمعنَا بَين أبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَعَمْرو بن عبيد فِي مَسْجِدنَا فَقَالَ لَهُ أبو عَمْرو مَا الَّذِي يبلغنِي عَنْك فِي الْوَعيد فَقَالَ: إِن الله وعد وَعدا وأوعد إيعادا فَهُوَ منجز وعده ووعيده فَقَالَ لَهُ أبو عَمْرو: إِنَّك أعجمي وَلَا أَعنِي لسَانك وَلَكِن فهمك إِن الْعَرَب لَا تعد ترك الايعاد ذما وتعده مدحا ثمَّ أنشد:
وَمَا يرهب ابْن الْعم مَا عِشْت صولتي ... وَمَا أختشي من صولة المتوعد
وَإِنِّي إِذا أوعدته أَو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
فَقَالَ لَهُ عَمْرو: أفليس يُسمى تَارِك الإيعاد مخلفا قَالَ: بلَى، قَالَ: أفتسمي الله مخلفا إِذا لم يفعل مَا أوعد قَالَ: فقد أبطلت شاهدك. انتهى.