تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

الباب الثالث والأربعون في الترغيب في الزهد وما يتصل بذلك

صفحة 574 - الجزء 1

  يَقْدِرُ عَلَى الْعِزِّ، وَصَبَرَ عَلَى الْفَقْرِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْغِنَى، وَصَبَرَ عَلَى الْبِغْضَةِ فِي النَّاسِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَحَبَّةِ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إِلَّا وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ أَثَابَهُ اللهُ ثَوَابَ خَمْسِينَ صِدِّيقًا»⁣(⁣١).

  قال السيد الإمام أبو طالب ¥: مَعْنَى قَوْلِهِ ÷: «إِنَّ مَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا أَعْطَاهُ اللهُ عِلْمًا بِغَيْرِ تَعَلُّمٍ» أَنَّ عِنْدَ زُهْدِهِ فِيهَا تَقْوَى دَوَاعِيهِ إِلَى النَّظَرِ الَّذِي يُكْسِبُهُ الْعُلُومَ الَّتِي يَنْتَفِعُ بِهَا فِي الدِّينِ، وَيَكْثُرُ ثَوَابُهُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِدْعَاءٍ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ وَتَعَلُّمٍ مِنْهُمْ، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ}⁣[العنكبوت: ٦٩]. وَمَعْنَى: «إِنَّهُ إِذَا رَغِبَ فِيهَا أَعْمَى اللهُ قَلْبَهُ» أَنَّهُ يَكُونُ مَصْرُوفًا عَنْ هَذَا اللُّطْفِ.

  ٨٠٥ - وبه قال: أخبرنا عبدالله بن عدي بن عبدالله الحافظ، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى أبو بكر البغدادي بمصر، وعبدالله بن هانئ، قال: حدثني أبي هانئُ بن عبدالرحمن، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن أم الدرداء قالت:

  قَالَ رَسُولُ اللهِ ÷: «مَنْ أَصْبَحَ مُعَافًى فِي بَدَنِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، وَعِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا، يَا ابْنَ جُعْشُمٍ؛ يَكْفِيكَ مِنْهَا مَا سَدَّ جَوْعَتَكَ، وَوَارَى عَوْرَتَكَ، وَإِنْ كَانَ بَيْتٌ يُوَارِيكَ فَذَاكَ، وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةٌ تَرْكَبُهَا فَتَمَّ⁣(⁣٢)، وَمَا فَوْقَ الْإِزَارِ حِسَابٌ عَلَيْكَ»⁣(⁣٣).


(١) رواه الإمام أحمد بن سليمان # في حقائق المعرفة ص ٢٣٨، والإمام المنصور بالله # في حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية ص ١٧٨، وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء ٦/ ٣١٢ وفي ٨/ ١٣٥، والبيهقي في شعب الإيمان ١٣/ ١٥٣، والسيد الحافظ أحمد بن الصدِّيق الْغُمَارِي في المداوي ٦/ ٢٥٦ وتعقب من رام تضعيف الخبر وتعقب كلام أبي نعيم بغير ما ذكرناه من التعقيب، ومرتضى الزبيدي في تخريج أحاديث الإحياء ٤/ ١٨٦٤ ورواه أبو الفرج الثقفي في فوائده ص ١٢٣.

(٢) في بقية مصادر الرواية «فَبَخٌ».

(٣) رواه القضاعي في مسنده ١/ ٣١٩، والطبراني في مسند الشاميين ١/ ٣٦، وابن حبان في صحيحه ٢/ ٤٤٥، وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء ٥/ ٢٤٩، والبيهقي في شعب الإيمان ١٣/ ٧، وأبو سعيد النقاش في أماليه ص ٥١، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٧/ ١٩٤.