الباب الثامن والخمسون في الأمراض والأعواض
  يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، وَيَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ، لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلِمَةٍ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلِمَةٍ، حَتَّى اللَّطْمَةُ» قَالَ: قُلْنَا: كَيْفَ؟ وَإِنَّمَا نَأْتِي اللهَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا؟ قَالَ: «الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ»(١).
  ٩٥٦ - وبه قال: أخبرنا محمد بن بُنْدَار، قال: حدثنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي # قال:
  كَانَ رَسُولُ اللهِ ÷ إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ قَالَ: «أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبِّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، وَلَا شَافِيَ غَيْرُكَ»(٢).
(١) قال في ينابيع النصيحة ص (٢٥٨) في كيفية الانتصاف: فذهبت العدلية إلى أن المقاصة تكون بالأعواض المستحقة على الآلام وهو الصحيح. وذهبت المجبرة إلى أن المقاصة تكون بالثواب إن كان للظالم ثواباً أعطي المظلوم منه وإن لم يكن أخذ من عقاب المظلوم فجعل على الظالم وعوقب به. وقولهم باطل ... إلى قوله: لأن الثواب إنما يستحق على فعل ما كلف المكلف فعله أو ترك ما كلف تركه فلا يجوز أن يوفر ثواب الطاعات على من لم يفعلها، ولقول الله سبحانه: {وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ٣٩}[النجم].
قال السيد العلامة المجتهد محمد بن عبدالله عوض المؤيدي حفظه الله تعالى تعليقاً على هذا الحديث: لا يصح الاعتماد والاستدلال في مسائل الدين الأصولية بالأحاديث الآحادية؛ لأنها لا تفيد - وإن صحت أسانيدها - إلا الظن، والمطلوب في مسائل الدين الأصولية هو الإيمان والتصديق، ولا يحصل الإيمان والتصديق واليقين إلا بالأدلة التي تفيد العلم والإيمان بمقتضاها.
وإيراد محدثينا لمثل هذا الحديث هو من أجل الوعظ والتخويف. والتخويف يحصل بالأحاديث الآحادية ولو لم تبلغ الصحة المعتبرة في علم الحديث، فالعاقل يتجنب المخاوف المظنونة، بل والمشكوكة، بل إن عقله يحتم عليه ذلك، {وَخُذُواْ حِذۡرَكُمۡۗ}[النساء: ١٠٢]؛ لهذا أورد محدثونا مثل هذا الحديث للتخويف والعظة من غير تحرٍّ في أسانيدها، وصلى الله وسلم على محمد وآله. اهـ (كلامه أيده الله تعالى).
ومعنى حفاة عراة: أي خلواً من الأموال، كما يدل عليه آخر الخبر، وفي الحديث: «إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها»، وقد ذكر في شرح الأساس الكبير كلاماً لبعض أئمتنا $ فيه إنكار أن الناس يحشرون عراة.
(٢) رواه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف ٦/ ٦٢، والطبراني في الدعاء صفحة ٣٣٨. وقد روي من وجوه أخر: رواه أحمد في المسند ط الرسالة ٢/ ١٠ والترمذي السنن ت شاكر ٥/ ٥٦١ وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وعبد بن حميد في المنتخب من مسنده ت مصطفى العدوي ١/ ١١٣ والبزار في مسنده ٣/ ٨٠.