وإذا قد ذكرنا اسمه # فنذكر صفته #:
  حديث أسماء بنت عميس؛ فقد شَابَهَ الوصِيُّ # هارونَ في سُؤَالِ النَّبِيَّيْنِ الكريمينِ #، وفي إجابة الرَّبِّ سبحانه وتعالى، وتَمَّ التشبيه بتنزيله منه ÷ منزلة هارون من موسى الكليم، ولم يَسْتَثْنِ شَيْئًا سِوَى النبوة؛ لِخَتْمِ اللهِ تعالى بَابَهَا برسوله ÷ خَاتَمِ الأنبياء، وهذه فضيلة اخْتَصَّ الله بها ورَسُولُهُ ÷ الوَصِيَّ #، ولم يشاركه فيها أَحَدٌ غَيْرُهُ. وقد نَزَّلَهُ ÷ من نفسه مَنْزِلَةَ رَأْسِهِ من جسده: كما أخرجه الخطيب عن البراء بن عازب، والديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله ÷: «عَلِيُّ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ رَأْسِي مِنْ جَسَدِي»(١).
  واعلم أنه لم يُخَلَّفَهُ رسولُ الله ÷ إلا في هذه الغزوة، وهي آخر غزواته ÷ بعد فتح مكة، واتَّسَاعِ نِطَاقِ الإسلام، وكثرة جيوش الإيمان؛ فإنها كانت في رجب سنة تسع من الهجرة، وكانت أبعد الغزوات، وسافر فيها ÷ إلى بلاد الشام وجِهَتِهِ؛ فلم يطمئن قلبه في الاستخلاف إلى غير وصيه #. أما في غيرها من الغزوات فقد كان سَيْفُهُ الذي يَفْلِقُ به الهام، ويُسِيلُ بِحَدِّهِ مُهَجَ الطَّغَام. وهذه الغَزَاةُ قد كثر فيها جنود الإسلام؛ فكان تَخْلِيفُهُ على أهله أَهَمَّ لِبُعْدِ السَّفَرِ، وَخُرُوجِهِ ÷ عَنْ بِلَادِ العرب(٢)، وأنها لا تَصْلُحُ المدينة إلا به ÷ أو بعلي # كما في بعض طرق الحديث: «إِنَّ المدينة لا تصلح إلا بي أَوْ بِكَ»(٣)
(١) تاريخ بغداد ٧/ ١٢، ومسند الفردوس بلفظ: «عَلي مِنِّي بمنزلةِ رَأْسِي مِنْ بَدَنِي» ٣/ ٦٢ برقم ٤١٧٤، و المحب الطبري ٦٣ وعزاه في الجامع للسيوطي إلى ابن مردويه.
(٢) وظَاهِرُ التشبيه بهارون من موسى أنه خلفه على قومه القول موسى #: {ٱخۡلُفۡنِي فِي قَوۡمِي}، وذِكْرُ الأهل في بعض الروايات: إِمَّا من تَصَرُّفِ الرواة، أو لزيادة التأكيد: كَذِكْرِ حُكم لبعض أفراد العام مُسَاوِ لِحُكْمِ العام، وهذا هو المعروف بالتنصيص الذي لا يقتضي التخصيص: كعطف الخاص على العام، ويشهد لهذا ما في بعض الروايات التي أشار إليها المصنف، وتقدمت رواية «وخليفتي فيكم» في سيرة ابن كثير ٤/ ١٣٧٢، وفي الحلبية ٣/ ١٣٢، وغيرها، وأن ذلك كان لِخَوْفِ غَوَائِلِ الْمُنَافِقِينَ؛ ولهذا قالوا ما قالوا؛ قصدًا لنيل مطامعهم إِنْ لَحِقَ برسول الله ÷؛ فتخلو لهم المدينة مع أنه لم يكن قتال في هذه الغزوة إلا في ما رواه الزمخشري [في الفضائل]، وفي روايته كلام كما في الحلبية ٣/ ١٤٢.
(٣) الطبراني في الكبير ٥/ ٢٠٣ رقم ٥٠٩٤، قول النبي ÷ لعلي #: «لابدَّ أَنْ أُقِيمَ أَوْ تُقِيمَ» وذكرها بلفظها ابن المغازلي ص ٨٥.