وإذا قد ذكرنا اسمه # فنذكر صفته #:
  فكان استخلافه أرجح من خروجه إن قيل: فقد قال المنافقون: استثقله، وفي الرواية الأخرى أن قريشًا قالوا ذلك نفاسة وحسدًا.
  قلنا: لا مانع أن يقوله الفريقان المنافقون لبغضهم الله ورسول الله ÷ والمؤمنين وقريش؛ نفاسة وحسدًا؛ فكل فاض على لسانه ما غلى به صدره. وفيه دلالة على أنه ينبغي للمؤمن إزالة ما يوهم به، وإن كان يعلم ويتيقن عدم ما ذكر عنه؛ فإنّ الوصي # يعلم من رسول الله ÷ أنه لا يستثقله بل أنه أحبّ خلق الله إليه كما تأتي عليه الأدلّة، ولما بلغته المقالة لبس سلاحه ولحق برسول الله ÷ ليقص عليه ما وصمه به أعداؤه؛ فكذب رسول الله ÷ الطاعنين، ونوّه بفضل أمير المؤمنين #. قوله:
  ٣٢ - وَلِعِيسَى صَحْ فِيهِ مَثَلٌ ... فَسَعِيدًا عُدَّ مِنْهُمْ وَشَقِيًّا
  ولعيسى: عَطْفٌ على جملة كهارون، وسعيدًا: مفعولُ عُدَّ، مُقَدَّم عليه: من باب قوله تعالى: {فَرِيقًا هَدَىٰ} وشَقِيَّا: معطوف عليه، والمراد بالشقي من غلا في حبّه وجاوز الحد المأمور به، ومَنْ أبغضه وعاداه؛ فإِنَّ الشَّقِيَّ فيه طَائِفَتَانِ: مُحِبُّ غَالٍ، وَمُبْغِضُ قال. وأما السعيد فهو مَنْ وقف على تقدير ما أمر الله به من محبته #. والبيتُ إشارة إلى ما ثبت له # من أن فيه مثلا من عيسى.
  قال المحب الطبري |: عن علي # قال: قال رسول الله ÷: «فيك مَثَل من عيسى #؛ أبغضته اليهود حتى بَهَتُوا أُمَّهُ، وأَحَبَّتْهُ النَّصَارَى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها»، ثم قال علي #: «يَهْلِكُ في رجلان: محبُّ مفرط يُقَرِّضُنِي بِما لَيْسَ فِيَّ، علي ومُبْغِضُ مُفْتَرِ يَحْمِلُهُ شَنَتَانِ على أن يَبْهَتَنِي» أخرجه أحمد في مسنده(١).
  وعنه # أنه قال: «لَيُحِبُّنِي أَقْوَام حتى يَدْخُلُوا النَّارَ فِي حُبّي، ويُبْغِضُنِي
(١) الذخائر ص ٩٢، وفضائل الصحابة ٢/ ٦٩٧ رقم ٩٥١، وأبو يعلى ١/ ٤٠٦ رقم ٥٣٤، وسنن النسائي الكبرى ٥/ ١٣٧ رقم ٨٤٨٨، والمستدرك ٣/ ١٢٣، وتاريخ دمشق ٤٢/ ٢٩٣، ومسند أحمد ١/ ٣٣٦ برقم ١٣٧٦، والإمام المرشد بالله في الأمالي ١/ ١٣٧.