مقدمة المؤلف
  يكون البيت متعلقا بما بعده، ويسمى أيضًا حسن الابتداء، وقد فَرَّعُوا منه براعة الاستهلال في النظم والنثر، وشرطه في النظم أن يكون المطلع دالا على ما بنيت عليه القصيدة من غرض الشاعر. انتهى. فقد اشتمل البيت على الأمرين المذكورين. وفيه من البديع الجناس التام، قال الصفي: أكمل أصناف التجنيس وأعلاها. [و] حقيقته: ما تماثل رُكْنَاهُ خَطًا ولفظا(١) كقوله تعالى: {وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقۡسِمُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيۡرَ سَاعَةٖۚ}[الروم: ٥٥]. قيل: ليس في القرآن الكريم مِنْ صِنْفِ التَّام سوى هذه الآية. انتهى(٢). قلت: وفي حفظي أن الحافظ ابن حجر العسقلاني(٣) قال: إنه اسْتَخْرَجَ آيةً أخرى هي قوله تعالى: {يَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ يَذۡهَبُ بِٱلۡأَبۡصَٰرِ ٤٣} إلى قوله: {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ ٤٤}[النور: ٤٣ - ٤٤](٤). قوله: يهوى: أي يحب، واعلم أن دواعي المحبة لأمير المؤمنين # طبعية وشرعية: أما الأولى؛ فلأنها جبلت الطباع على الميل والمحبة إلى من اشتهر واتصف بخصلة من خصال الكمال: من علم، أو شجاعة، أو كرم، أو زهادة، أو حلم، أو نحو ذلك من عدل، وإحسان، وما لا يُعدُّ؛ فإن من اتصف واشتهر بشيء من ذلك مالت الطباع إلى محبته، والثناء عليه، وامتلأ الصدر بعظمته، وطفحت اللسان بذكره، وإن كان لا يعرفه ولا يجمع بينهما زمان ولا مكان، ألا ترى أنه إذا بلغ أنَّ في أقصى البلاد رجلا فاضلاً أو عالمًا أو ملكا عادلاً مال الطبع إليه،
= لعدم وجود التناسب بين قسميه. ويقول ابن أبي الأصبع: إذا وصلت إلى قول البحتري في هذا الباب وصلت إلى غاية لا تدرك، وهو قوله من الطويل:
بِوُدِّيَ لَوْ يَهْوَى العَذُولُ وَيَعْشَقُ ... لِيَعْلَمَ أَسْبَابَ الْهَوَى كَيْفَ تَعْلَقُ
(١) تمام الحد: واختلفا معنى من غير تفاوت في صحيح تركيبها واختلاف حركاتها. خزانة الأدب ٤/ ٤١٨.
(٢) ينظر: خزانة الأدب لابن حجة ١/ ٤١٩.
(٣) أحمد بن علي صاحب فتح الباري، توفي سنة ٨٥٢.
(٤) ذكر تخريج ابن حجر ابن حجة في الخزانة ١/ ٤١٩، وفي هامشه ونقلت من خط شيخ الإسلام المشار إليه أيضًا ما نصه: قلت ثم وقع لي بعد ذلك شاهد آخر، وهو قوله تعالى: {يَوۡمَئِذٖ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلۡحَقَّ وَيَعۡلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ ٱلۡمُبِينُ ٢٥}[النور: ٢٥]، ثم وقفت على ثالث، وهو قوله تعالى: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِن كُلِّ شَيۡءٖ سَبَبٗا ٨٤ فَأَتۡبَعَ سَبَبًا ٨٥}[الكهف: ٨٤ - ٨٥]، إن السبب العلم، والثاني: الطريق.