الروضة الندية شرح التحفة العلوية،

محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير (المتوفى: 1182 هـ)

ذكر بني أمية وقصدهم هدم مناقب أمير المؤمنين #

صفحة 385 - الجزء 1

  صَدَقَٰتٖۚ}⁣[المجادلة: ١٣] الآية، قال: فَبِيَّ خَفَّفَ الله عن هذه الأمة⁣(⁣١).

  السابعة: الإيثار على النفس: كما قال تعالى في مدح الأنصار: {وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ}⁣[الحشر: ٩]، وقد قدمنا لك في ذلك سبب نزول قوله تعالى: {وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا ٨}⁣[الإنسان: ٨]، وحديث الدينار مع المقداد بن الأسود، وكم وكم⁣(⁣٢).


(١) سبق تخريجه في تخريج تفسير آية المناجاة في ذكر الآيات المنزلة في علي #.

(٢) الأكثر من ذلك إيثاره حياة التقشف والخشونة مشاركة للفقراء والمساكين أيام خلافته؛ إذ قال لعامله على البصرة عثمان بن حنيف معاتبا له ذهابه لوليمة أحد أغنيائها: أَمَّا بَعْدُ يَا بْنَ حُنَيْفٍ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا تُسْتَطَابُ لَكَ الْأَلْوَانُ، وَتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌ، وَغَنِيُّهُمْ مَدْعُو، فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ، فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفُظْهُ، وَمَا أَيْقَنْتَ بِطِيبٍ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَامِا يَفْتَدِي بِهِ وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ، أَلَا وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِعِمْرَيْهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ، أَلَا وَإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعِ وَاجْتِهَادٍ وَعِفَةٍ وَسَدَادٍ، فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْرًا، وَلَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا، وَفْرًا، وَلَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْرًا، وَلَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْرًا، وَلَا أَخَذْتُ مِنْهُ إِلَّا كَفُوتِ أَتَانٍ دَبِرَةٍ، وَلَهِيَ فِي عَيْنِي أَوْهَى وَأَوْهَنُ مِنْ عَفْصَةٍ مَقِرَةٍ، بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ فَشَحَتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ، وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ، وَنِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ، وَمَا أَصْنَعُ بِفَدَكِ وَغَيْرِ فَدَكِ وَالنَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَةٌ، تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا، وَتَغِيبُ أَخْبَارُهَا، وَحُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا وَأَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا لَأَضْغَطَهَا الْحَجَرُ وَالْمَدَرُ، وَسَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ، وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الْأَكْبَرِ، وَتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ، وَلَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفّى هَذَا الْعَسَلِ وَلْبَابِ هَذَا الْقَمْحِ، وَنَسَائِجِ هَذَا الْقَزَّ، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ، وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيْرِ الْأَطْعِمَةِ، وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْضِ وَلَا عَهْدَ لَهُ بِالشَّبَعِ، أَوْ أَبِيتَ مِبْطَانًا وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى، وَأَكْبَادٌ حَرَّى، أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:

وَ حَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةِ ... وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدَّ

أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا أَشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أَسْوَةٌ لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ، فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفْهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغْلُهَا تَقَمُّمُهَا تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أَتْرَكَ سُدًى، أَوْ أَهْمَلَ عَابِثَا، أَوْ أَجُرَ حَبْلَ الضَّلَالَةِ، أَوْ أَعْتَسَفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ، وَكَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ: إِذَا كَانَ هَذَا قُوتُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الْأَقْرَانِ، وَمُنَازَلَةِ الشُّجْعَانٍ، أَلَا وَإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُودًا، وَالرَّوَاتِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُ جُلُودًا، وَالنَّبَاتَاتُ الْبَدَوِيَّةُ أَقْوَى وَقُودًا وَأَبْطَأُ خُمُوداً، وَأَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ كَالصِنْوِ مِنَ الصُّنْوِ، وَالذَّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ، وَاللَّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا، وَلَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا، وَسَأَجْهَدِ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ وَالْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ. =