الروضة الندية شرح التحفة العلوية،

محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير (المتوفى: 1182 هـ)

ذكر بني أمية وقصدهم هدم مناقب أمير المؤمنين #

صفحة 388 - الجزء 1

  فَهْوَ مَجْهُولٌ لنا فلا معنى للخوض فيه! هذا معنى كلامه.

  قُلْتُ: قَوْلُهُ: (فَهْوَ مَجْهُولٌ لَنَا) مَحَلُّ تَأَمُّل، بل هو معلوم لنا؛ فإنه قد بَيَّنَ الله ورسوله لنا رُتب العامِلِينَ وقال: {لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ غَيۡرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلۡمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ}⁣[النساء: ٩٥] الآية، وقال: {لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ}⁣[الحديد: ١٠] الآية، وغيرهما من الآيات الدَّالَّةِ عَلى أَنَّ مَرَاتِبَ الفَضْلِ عند الله تعالى باعتبار الأعمال، وأَنَّ مَنْ عَمِلَ من الطاعات أكثر من غيره فهو عنده تعالى أعلى دَرَجَةً، وَأَرْفَعُ رُتْبَةً. وبَيَّنَتْ لنا الأحاديث النبوية مَقَامَ الوصي # في الآخرة، ومَحَلَّهُ عند الله، ومَحَبَّةَ اللهِ تعالى له، ومَحَبَّة رسوله ÷ له، بحيث لا يرتاب الناظر بعين الإنصاف في أنَّ أمير المؤمنين # الأَفْضَلُ خَلْقِ الله بعد رسوله ÷؛ لكثرة مزاياه الدينية، ولتزكية الله تعالى له ورسولِهِ ÷، وكَثْرَةِ مَمَادِحِهِ القرآنية والنبوية.

  وقد اختصه الله تعالى ورسوله ÷ بخصائص لا تدخل تحت ضبط الأقلام، ولا تفنى بفناء الليالي والأيام؛ مثل اختصاصه بأربع ليست في أحد غيره: كما أخرجها العلامة أبو عُمَرَ بن عبد البر [الاستيعاب ٣/ ١٩٧] من حديث بَحْرِ الأمة ابن عباس ® قال: لِعَلِيُّ أَرْبَعُ خصال ليستْ لِأَحَدٍ غيره: هو أول عربي وعجمي صَلَّى مع رسول الله ÷، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم فَرَّ عنه غيرُه، وهو الذي غَسَّلَهُ وأَدْخَلَهُ قَبْرَهُ.

  وكاختصاصه بخمس: كما أخرجه أحمد في المناقب: وقد تقدم ذلك في بيت لواء الحمد، وكاختصاصه بعشر: كما أخرجه أحمد بتمامه، وأبو القاسم الدمشقي في الموافقات، وفي الأربعين الطوال. وأخرج النسائي بَعْضَة وهو من حديث عمرو بن ميمون، قال: إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه سَبْعَةُ [أو تسعة] رهط فقالوا: يا ابن عباس إِمَّا أَنْ تقومَ معنا، وإِمَّا أَنْ تَتَخَلَّى مِنْ هؤلاء، قال: بل أَقُومُ معكم - وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى، قال: فَابْتَدَؤُوا يتحدثون، ثم جاء