في رحاب سيرة الإمام المجدد للدين مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي (ع)،

إبراهيم بن مجدالدين المؤيدي (معاصر)

يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا

صفحة 99 - الجزء 1

  لِقَوْلِ الله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ ٦}⁣[التحريم].

  وعِنْدَ صُدُورِ الطَّبْعَةِ الأوْلَى من كِتَابِ لَوَامِعِ الأنْوَارِ كان مُسَافِراً لأَدَاءِ الحَجِّ، وأَتَيْنَاهُ بالكِتَابِ وهو في مَدِينة جدّة، فَنَاوَلْنَاهُ الكِتَابَ بعْدَ العِشَاءِ، فأَخَذَ في مُطَالَعَتِهِ ومراجعته وهو في غَيْرِ مَجْلِسِهِ الْمُعْتَادِ، كالمتأهِّبِ للقِيَامِ، جَالِسٌ على قَدَمَيْهِ جلْسَةً غَيْرَ مُرِيحَةٍ، فنبَّهْنَاهُ بَعْدَ فَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ وهو على تِلْكَ الحال، لكي يَقُومَ إلى مَجْلِسِهِ، فأجَابَ بأنه سَيَقُومُ، فقط يُطَالِعُ بِسُرْعَةٍ وسَيَقُومُ، وبَعْدَ كُلِّ فَتْرَةٍ نَعُودُ لِتَنْبِيهِهِ وهو على تِلْكَ الحَالِ، حتى أذَّنَ الفَجْرُ وهو مُنْكَبٌّ على الكِتَابِ وفي نَفْسِ وَضْعِيَّتهِ تلك على قَدَمَيْهِ، فَسُبْحَانَ مَنْ أمَدَّهُ بهذا الصَّبْرِ العَجِيبِ، وهذه الرَّغْبَةِ الشَّديدَةِ، ومعَ ذلك قامَ وتَوَضَّأَ وصَلَّيْنَا الفَجْرَ، وقُلْنا لَهُ: اليَوْمَ عُطْلَةٌ مِن الدُّرُوسِ التي بَعْدَ صَلاةِ الفَجْرِ، فَأَنْتَ مُرْهَقٌ جِداً وَلَمْ تَنَمْ طوَالَ الليْلِ، فأَبَى وقَالَ: هذا وَقْتٌ ثَمِينٌ وفَضِيلٌ لا يُمْكِنُ تَضْييعُهُ، وأَخَذْنَا في دُرُوسِنَا الْمُعْتَادَةِ حتى شُرُوقِ الشَّمْسِ.

  وقد كان # يُقْسِمُ بالله العَظِيمِ أنَّه لو وُضِعَ في أَفْخَم قصرٍ، وجُهِّزَ بأكملِ التجهيزات، وليس فيه كُتُبٌ، لكان عنده أسوأَ مكانٍ وأضيقَهُ، ولو وُضِعَ في سِجْنِ ضَيِّقٍ وفيه كتبٌ لكان عنده من أحسنِ الأَمَاكن.