انقطاع الماء
  وَجَعَلَ يَلْتَفِتُ في نَوَاحِي تِلْكَ المنْطِقَةِ لَعَلّهُ يَجِدُ مَا يُغِيثُهم، وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ في القَافِلَةِ قَد يَئِسُوا واسْتَسْلَموا للأَمْرِ الوَاقِع، وكلٌّ مِنْهم قَد اسْتَقرَّ في مَكَانِهِ مُنْتَظِراً حَتْفَهُ ومَصِيرَه، قَد أنهَكَهُم العَطَشُ وَبَلَغَ مِنْهم مَبْلَغاً عَظِيماً، فانْطَلَق # بَعِيداً عن القَافِلَةِ خَارِجاً عَن الطَّرِيقِ وإذا به يجدُ شَخْصاً في ناحِيَةٍ مِنْ تِلْكَ القِفارِ، فَسَألَهُ عن أقْرَبِ بِئْرٍٍ أو محَلَّةٍ بها مَاءٌ، فَأَجَابَهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ بأنّ أَقْرَبِ مَاءٍ لهم عَلى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ، وأنَّه مُسْتَعِدٌ أنْ يَسْقِيَهُ لِوَحْدِهِ مما لَدَيْهِ من الماءِ؛ لأنَّه لَيْسَ لَدَيْهِ إلا القَلِيلُ، فَرَفَضَ وآثرَ البَقَاءَ على العَطَشِ مَعَ أَصْحَابِهِ، ولكنَّهُ لم يَيْأَسْ من رَحْمَةِ الله تعالى وَرَجَعَ إلى أَصْحَابِهِ وَأَظْهَرَ لهم الاسْتِبْشَارَ وقَالَ لهم الماءُ عَلى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ، وجَعَلَ يسْتَحِثُّهم على النُّهُوضِ ومُوَاصَلَةِ السَّيْرِ وَطلَبَ منهم قِرَاءَةَ سُورَةِ يس وَوَعَدَهُم بِأنَّهم لَنْ يُتِمُّوها إلا وَهُمْ على الماءِ - ثِقَةً مِنْهُ باللهِ تَعَالى، وَبَيْنَما هُمْ على تِلْكَ الحالِ الشَّدِيدَةِ، وَمُوَاصَلَتِهم للسَّيْرِ بِرَغْمِ التَّعَب والعَطَشِ الشَّدِيدِ الذي لَحِقَ بهم وَبِدَوَابِّهم إذا بِنَسِيمٍٍ عَلِيلٍٍ من أَمَامِهم، وَإذَا هُمْ بِغَدِيرٍ وَاسِعٍ، فجَعَلَ الحَجِيجُ يَدْخُلُون بينَ الماءِ بدَوَابّهم بأَحْمَالها من شِدَّةِ الفَرَحٍ، وَحَقَّقَ اللهُ تَعَالى أَمَلَهُ وَأَكْرَمَ وَلِيَّهُ.