[فصل الحاء المهملة]
  أَهْلُه، ونُحِبُّ أَهْلَه، وهم الأَنصار؛ ويجوز أَن يكون من باب المَجاز الصَّريح، أَي إنَّنا نحِبُّ الجَبلَ بعَيْنِه لأَنه في أَرْضِ مَن نُحِبُّ.
  وفي حديث أَنس، ¥: انْظُروا حُبّ الأَنصار التَّمرَ، يُروى بضم الحاءِ، وهو الاسم من المَحَبَّةِ، وقد جاءَ في بعض الرِّوايات، باسقاط انظُروا، وقال: حُبّ الأنصار التمرُ، فيجوز أَن يكون بالضم كالأَوّل، وحذف الفعل وهو مراد للعلم به، أَو على جعل التمر نفس الحُبِّ مبالغة في حُبِّهم إِياه، ويجوز أَن تكون الحاءُ مكسورة، بمعنى المحبوب، أَي مَحْبُوبُهم التمرُ، وحينئذ يكون التمر على الأَوّل، وهو المشهور في الرواية منصوباً بالحُب، وعلى الثاني والثالث مَرْفُوعاً على خبر المبتدأ.
  وقالوا: حَبَّ بِفُلان، أَي ما أَحَبَّه إِلَيَّ؛ قال أَبو عبيد: معناه(١) حَبُبَ بِفُلان، بضم الباءِ، ثم سُكِّن وأُدغم في الثانية.
  وحَبُبْتُ إليه: صِرْتُ حَبِيباً، ولا نَظِير له إلا شَرُرْتُ، مِن الشَّرِّ، وما حكاه سيبويه عن يونس قولهم: لَبُبْتُ من اللُّبِّ.
  وتقول: ما كنتَ حَبيباً، ولقد حَبِبْتَ، بالكسر، أَي صِرْتَ حَبِيباً.
  وحَبَّذَا الأَمْرُ أَي هو حَبِيبٌ.
  قال سيبويه: جعلوا حَبّ مع ذا، بمنزلة الشيءِ الواحد، وهو عنده اسم، وما بعده مرفوع به، ولَزِمَ ذا حَبَّ، وجَرَى كالمثل؛ والدَّلِيلُ على ذلك أَنهم يقولون في المؤَنث: حَبَّذا، ولا يقولون: حَبَّذِه.
  ومنه قولهم: حَبَّذا زَيْدٌ، فَحَبَّ فِعْل ماضٍ لا يَتصرَّف، وأَصله حَبُبَ، على ما قاله الفرّاءُ، وذا فاعله، وهو اسم مُبْهَم مِن أَسْماءِ الإِشارة، جُعِلا شيئاً واحداً، فصارا بمنزلة اسم يُرْفَع ما بعده، وموضعه رفع بالابْتداءِ، وزيد خبره، ولا يجوز أَن يكون بدلاً مِن ذا، لأَنّك تقول حَبَّذا امرأَةٌ، ولو كان بدلاً لقلت: حَبَّذِه المرأَةُ.
  قال جرير:
  يا حَبَّذَا جَبَلُ الرَّيَّانِ مِنْ جَبَلٍ ... وحَبَّذا ساكِنُ الرَّيّانِ مَنْ كانا
  وحَبَّذا نَفَحاتٌ مِنْ يَمانِيةٍ ... تَأْتِيكَ، مِنْ قِبَلِ الرَّيَّانِ، أَحيانا
  الأَزهري: وأَما قولهم: حبّذا كذا وكذا، بتشديد الباء، فهو حَرْفُ مَعْنىً، أُلِّفَ من حَبَّ وذا.
  يقال: حَبَّذا الإِمارةُ، والأَصل حَبُبَ ذا، فأَدْغِمَتْ إحْدَى الباءَين في الأُخْرى وشُدّدتْ، وذا إشارةٌ إلى ما يَقْرُب منك.
  وأَنشد بعضهم:
  حَبَّذا رَجْعُها إلَيها يَدَيْها ... في يَدَيْ دِرْعِها تَحُلُّ الإِزارَا(٢)
  كأَنه قال: حَبُبَ ذا، ثم ترجم عن ذا، فقالَ هو رَجْعُها يديها إلى حَلِّ تِكَّتِها أَي ما أَحَبَّه، ويَدَا دِرْعِها كُمَّاها.
  وقال أَبو الحسن بن كيسان: حَبَّذا كَلِمتان جُعِلَتا شيئاً واحداً، ولم تُغَيَّرا في تثنية، ولا جمع، ولا تَأْنِيث، ورُفِع بها الاسم، تقول: حَبَّذا زَيْدٌ، وحَبَّذا الزَّيْدانِ، وحَبَّذا الزَّيْدُونَ، وحَبَّذا هِنْد، وحَبَّذا أَنْتَ.
  وأَنْتُما، وأَنتُم.
  وحَبَّذا يُبتدأُ بها، وإن قلت: زَيْد حَبَّذا، فهي جائزة، وهي قَبِيحة، لأَن حَبَّذا كلمة مَدْح يُبْتَدأُ بها لأَنها جَوابٌ، وإنما لم تُثَنَّ، ولم تُجمع، ولم
(١) قوله [قال أبو عبيد معناه الخ] الذي في الصحاح قال الفراء معناه الخ.
(٢) قوله [إليها يديها] هذا ما وقع في التهذيب أيضاً ووقع في الجزء العشرين إليك.